اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 450
وكان راويه ثقة[400] لا يُنكَرُ
حديثُه ، سكتوا وسلَّموا
الأمرَ في ذلك وقبلوا قولَه ، وهذه عادتهم وسجيَّتُهم من عهد النبي (ص) ومَن بعدَه مِن الأئمة (ع) ، ومن زمن
الصادق جعفر بن محمد (ع) الذي انـتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته ، فلولا أن العمل بهذه
الأخبار كان جائزاً لما أجمعوا على ذلك ، ولأنكروه ، لأن إجماعهم فيه معصوم لا
يجوز عليه الغلط والسهو .
والذي يكشف عن ذلك
أنه لمّا كان العمل بالقياس محظوراً في الشريعة عندهم ، لم يعملوا به أصلاً ، وإذا
شذ منهم واحدٌ عمل به في بعض المسائل ـ يقصد ... فإنه إنما يعمل به في بعض المسائل
فقط ـ أو استعمله على وجه المحاجّة لخصمه ـ يقصد أو أنه إنما يستعمله لا وجه
الإعتقاد وإنما على وجه المحاجّة لخصمه فقط ـ و ـ أمّا ـ إن لم يُعلمِ اعتقادُه تَركوا
قولَه وأنكروا عليه وتبرّؤوا من قوله ـ أي فإنهم يتركون قولَه فوراً ويُنكرون عليه
ويتبرَّؤون منه ـ ، حتى أنهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياتِه لما كان عاملاً
بالقياس ـ أي يتركون تصانيفه لأنه يعمل بالقياس ـ ، فلو كان العمل بخبر الواحد
يجري ذلك المجرى لوجب أيضاً فيه مثل ذلك، وقد علمنا خلافه.
فإن قيل : كيف تدَّعون
الإجماعَ على الفرقة المحقّة في العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها أنها لا ترى
العمل بخبر الواحد ، كما أن المعلوم من حالها أنها لا ترى العملَ بالقياس ، فإن
جاز ادعاء أحدهما جاز ادعاء الآخر .
قيل لهم : المعلوم من
حالها الذي لا يُنكَر ولا يُدفع أنهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذي يرويه
مخالفهم في الإعتقاد[401] ويختصون بطريقِهِ
، فأمّا ما يكون راويه منهم وطريقُهُ أصحابُهم[402] فقد بـينّا أن
المعلوم خلافُ ذلك ، وبـينّا الفرق بين ذلك وبين القياس أيضاً ، وأنه لو كان
معلوماً حظْرُ العملِ بخبر الواحد لجرى مجرى العِلْم بحظر القياس ، وقد عُلم خِلافُ
ذلك .
فإن قيل : أليس شيوخُكم[403] لا يزالون يناظرون خصومَهم
في أن خبر الواحد لا يُعمل به ، ويدفعونهم عن صحة ذلك ، حتى أن منهم من يقول "لا
يجوز ذلك عقلاً" ، ومنهم من يقول "لا يجوز ذلك لأن السمع لم يرد به"
، وما رأينا أحداً منهم تكلم في جواز ذلك ، ولا صنف فيه كتاباً ولا أملَى فيه
مسألة ، فكيف
تدَّعون أنـتم خلافَ ذلك ؟