اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 382
شخص من شاهق ـ المقدّمةُ هي
المقدّمة التوليديّة ، فمَن فَعَلَ جوازَ سفرٍ بقصد الحجّ ثم مات وهو لا يزال في
وطنه ، فإنه لا يصحّ أن تـقول (فِعْلُ جوازِ السفر كان مقدّمةً للحجّ) ، وإنما
تـقول (كان قصْدُه من فِعْلِه الحجَّ) ، ومَن صَلَّى وقطَعها في وسطها ولم يُكْمِلْها
، فإنه لا يقال كان الركوع جزءً من صلاته ، وذلك لأنه لم يحصل صلاةٌ أصلاً ، نعم
كان يراد من الركوع أن يكون جزءً من الصلاة ، ولذلك كان تـتميم الحجّ شرطاً
متأخّراً في صحّة تسمية الوقوف بعرفات جزءً من الحجّ ، وكان تـتميم الصلاة شرطاً
متأخّراً لتصحيح القول بكون الركوع جزءً من الصلاة ، وكان تـتميم الغاية شرطاً
متأخّراً للقول بكون السير إلى الحجّ مقدّمةً إلى الحجّ ... نعم يجب عليه عقلاً
أن يَفعل ما من شأنه أن يقرِّبَ إلى الواجب ، ونحن نطلق عليه ـ مجازاً ـ أنه مقدّمة ،
لكن بالدقّة هو ليس مقدّمة ، حتى تحصل الغايةُ تماماً ، أي حتى يسيرَ باتّجاه
الغريق ويرمي إليه الحبلَ ويَسحبَه إليه حتى يصل الغريقُ إلى بَرّ الأمان ، هذه هي
مقدّمات الإنـقاذ ، وليست مقدّماتُ الإنـقاذ أن يصل إليه وينظر إليه فقط ! أو يرمي
الحبلَ إليه ولا يَشُدَّه إليه ، وبالتالي تكون عمدةُ المقدّمات هي المقدّمة
التوليديّة ، ولذلك تلاحظ أنّ المقدّمةَ في الأمور البسيطة ـ كما في إنقاذ غريق وكما
في إلقاء شخص من شاهق ـ هي نفس الواجب ، وإنما تفترق عن الواجب بمثابة افتراق الإيجاد
عن الوجود والعلّة عن معلولها فقط لا غير ، ولذلك لا يصحّ إطلاقُ إسم المقدّمة إلاّ
إذا حصلت الغايةُ بتمامها ، ولهذا السبب يقول العلماء بأجمعهم بأنّ المحرّم شرعاً
هو المقدّمة التوليديّة ، رغم أنها مقدّمة ورغم قولهم بأنّ المقدّمة واجبة عقلاً
لا شرعاً ، أمّا في المقدّمة التوليدية فقالوا بأجمعهم بأنها واجبة عقلاً وشرعاً
أو محرّمة عقلاً وشرعاً . لذلك كان الصحيحُ هو القولُ بالمقدّمة الموصلة ،
المنسوبُ إلى صاحب الفصول والذي قال به جماعة من علمائـنا كالسيد محسن الحكيم .
وبتعبـير ثالث : لو فرضنا حصولَ
مقدّمات الغاية من دون قصد ، كما لو اُغمي على شخصٍ فأخذوه إلى مكّة المكرّمة
ليعالجوه ، فلمّا رأى نفسَه في مكّة حجَّ ، ففي هكذا حالة لا شكّ في تحقّق أكثر
مقدّمات الحجّ ولو من دون قصده ، إذن لا يشترط في تحقّق مقدّمة الواجبِ قصْدُ نفس
الواجب . وكذا لو كان لإنـقاذ الغريق طريقان ، مباح ومغصوب ، فاختار شخصٌ ـ بسوء
اختياره ـ الدخولَ للإنـقاذ من الأرض المغصوبة فأنقذه ، فلا شكّ في تحقّق المقدّمة
، نعم لا يُثاب على المقدّمات لأنها حصلت صدفةً ومن دون قصد الإمتـثال أو من دون
التـفات ، لا بل قد يؤثم عليها كما في المثال الأخير .
*متى تُوصَفُ المقدّمةُ
بالوجوب العقلي ؟ أيضاً لا فائدة من هذا السؤال أصلاً ، وذلك لأنّ السؤالَ ح يَستبطنُ
أنّ كونها مقدّمةً هو أمْرٌ مفروضٌ ولا بحث فيه ، وإنما البحث في شرط اتّصافها
بالوجوب العقلي ، فنقول : إذا فرضتم هذا الفرض فهو يعني أنكم فرضتم السؤالَ بعد
تحقّق الغاية ، فما الفائدة
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 382