اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 379
فإن قلتَ : ما فائدةُ فِعليّةِ
وجوب الحجّ قبل وقته ، مع أنّ نفس الحجّ غيرُ مقدور عليه فِعلاً لأنه يكون في
موسمه ؟!
قلتُ : إنّ من فوائد الوجوب
الفعلي من حين الإستطاعة ـ مع أنّ الواجب معلّقٌ على مجيء وقته ـ هو الحفاظ على
الإستطاعة ووجوب تحرّك العبد نحو تهيئة مقدّمات الواجب قبل فوات الأوان ، وقد
عَبَّر بعضُهم عن هذه المقدّمات الواجبـية بالواجبات التبعيّة ، في مقابل الواجبات
الأصليّة كالحجّ والصيام ، وفي الصيامِ الفائدةُ هي أن يلتـفت الشخصُ إلى وقت طلوع
الفجر فلا يأكل عند طلوعه شيئاً ، وأن يغتسل المجنبُ من الجنابة وأن تغتسل المرأةُ
التي نَـقَت من الحيض أو النفاس أن تغتسل مِن حَدَثِ الحيض أو النفاس قبل طلوع
الفجر .
وقد ذهب إلى مقالة صاحب الفصول
بعضُ العلماء كصاحب الكفاية ، وخالفهم البعضُ الآخر كالمحقّق النائيني والسيد
الشهيد الصدر فقالا ـ بحقّ ـ بإمكان الإعتماد بالقول بوجوب المقدّمات المـُفَوّتة
على حُكْمِ
العقل بوجوبها ، إنما في الأمور التي يَتوقّف أداءُ الواجبِ فيها دائماً على فِعْلِ المقدّماتِ
المـُفَوّتة ـ كما في مثالَي الحجّ والصيام ـ ، وإلاّ ـ فلولا لزومُ التهيؤ قبل
وقت الواجب ـ لالتَغَى أصلُ الحجِّ والصيامِ بين كلّ الناس ، ولذلك فليس الطريقُ
منحصِراً بنظريّة الواجب المعلّق ، وهذا هو الصحيح . أمّا احتمالُ عدم بقائه حيّاً
وقادراً في وقت الواجب فأمْرٌ غيرُ مربوطٍ بنا ، وإنما هي أمورٌ مربوطةٌ بالله
عالِمِ الغَيب ، فنحن علينا بظاهر الأمور ، وهو وجود الإستطاعة فِعْلاً وحياتـنا
الآن ، فنـتمسّك بوجود الإستطاعة والحياة ـ كما قال صاحب الفصول ـ لِنَدّعي ـ ككلّ
العقلاء ـ تحقّقَ الوجوبِ الفعلي للحجّ ، وهذا دليلُنا الآخَر على
وجوب المقدّمات المفَوِّتَة، وقد أخذ السيد الخوئي[327] ـ بحقّ ـ بكلا الجوابين
.
أمّا في مثال (إذا زالت الشمسُ
فتوضّأ وصَلِّ) فلا يجب تهيئةُ الماء للوضوء قبل الزوال حتى وإن عَلِم الشخصُ
أنه لن يستطيع على الطهارة المائيّة بعد الزوال[328] ، وذلك لقول الله
تعالى [إذا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا .. ] بناءً على فهْمِ (إذا زالت
الشمسُ فتوضّؤوا) ، أمّا قبل الزوال فلا يجب الوضوء أو تهيئةُ الماء حتى وإن علمنا
بعدم تمكّنـنا من إيجاد الماء بعد الزوال ، وبتعبـير آخر : لعدم تحقّق الوجوب
الفعلي للصلاة بَعدُ ، ولعدم كون الطهارة المائيّة للصلاة من المقدّمات المفوّتة
التي يفوت الواجب دائماً بتركها قبل وقتها ـ كما كان الحال في مثالَي الحجّ والصيام
ـ ، فإنّ من النودار أن يتوقّف تحقّق الصلاة عن طهارة مائيّة على لزوم تحصيل الماء
قبل الزوال ، فغالباً يكون الماءُ موجوداً بعد الزوال ، ولذلك من غير
[327]
ذَكَرَ الدليلَ العقلي في (محاضرات في الأصول) ج 2 ص 361 ، وذَكَرَ هذا الدليلَ الثاني ص 355 و 361 .
[328]
ذَكَرَ ذلك في (مُنـتهَى الدراية) ج 2 ص 257 ـ 258 .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 379