اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 294
أمّا تـفصيلُه فنقول : لو وقعت قطرةُ نجاسةٍ
في أحد إناءين ، ولم نَدْرِ بذلك ، ثم حصل أن خرج أحد الطرفين عن محلّ الإبتلاء ـ
كما لو سافروا بالإناء إلى مكان بعيد لا نعرفه أو لا نصل إليه عادةً أو كما لو
طهّرناه أو ألقيناه في البحر ـ وقبْل أن نشرب من الإناء الثاني عَلِمْنا بنجاسة
أحد الإناءين ، أي فَنَى الإناءُ الأوّل أوّلاً ، ثم علمنا بنجاسة أحدهما ، فهل
يجوز شرب الإناء الثاني الواقعِ تحت ابتلائـنا أم لا ؟
الجواب : بما أنّ الصحيح هو
أنّ المنجّز هو الواقع كما قلنا ـ وليس العلم بجامع النجاسة بـينهما ـ فإنه يجب
القول بوجوب الإجتـناب عن الطرف الواقع تحت ابتلائـنا ، وذلك لأنّ الطرف الغير
واقع تحت ابتلائـنا ـ حتى ولو فَنَى ـ هو واقعاً وحقيقةً من أطراف العلم الإجمالي
وجداناً ، وإن كان في عالم الخيال ، ولا ينبغي أن تُجري الاُصولَ الترخيصية
المؤمّنة في الطرف الواقع تحت الإبتلاء بذريعة أنّ الطرف الآخر الواقع خارجَ محلّ
الإبتلاء لا تجري فيه الاُصول الترخيصية للغويّتها عقلاً .
بـيانُ المسألةِ بتـفصيل :
ـ تارةً تكون قطرةُ النجاسةِ
مردّدةً بين الثوب الذي يريد زَيدٌ أن يصلّي فيه ، وبين ثوبه الآخر الواقع تحت
ابتلائه أيضاً ، فهنا لا شكّ في تـنجّز هذا العلم الإجمالي ، وقد ادّعي الإجماعُ
على ذلك .
ـ وتارةً تقع قطرة النجاسة على أحد
ثَوبين ، إمّا ثوب زيد اللبناني وإمّا ثوب رجل صيني كان قُرْبَه في المطار فطار
الصيني إلى الصين ، فهنا قد تقول بأنّ ثوب الرجل الصيني خارج عن محلّ الإبتلاء ،
لأنّ زيداً قطعاً أو قُلْ عادةً لن يذهب إلى الصين ولن يعرف هذا الرجلَ الصيني
هناك على فرض ذهابه ، ولن يعرف أين هو ، فجريانُ الاُصولِ الترخيصية المؤمّنة في
ثوب الصيني لا فائدة منه ، ولذلك فجريانها فيه لَغْوٌ محْضٌ ، فيـبقى أن تَجريَ
الاُصولُ الترخيصية في ثوب زيد بلا معارض .
هذا الكلامُ ـ وهو جريان
الاُصول العملية في ثوب زَيد ـ لا يوافقُ عليه العقلاءُ ، وذلك لأنـنا لو فرضنا أنّ ثوب
الصيني رجع إلى بلد زَيدٍ صدفةً وعلى خلاف التوقّع واعتقاد زيد ، ولو بفرض استخدام
أحدِهم الجنَّ مثلاً فجَلَبَ ثوبَ الصيني له ، لصار العلم الإجمالي منجّزاً عليه !
ثم لو أرجعه الجنّيُّ إلى الصين ـ بخلاف اعتقاد زيد ـ لبطل تـنجيز هذا العلم ! ثم
لو جلبه له مرّةً اُخرى ـ بخلاف اعتقاد زيد ، بمعنى أنّ زيداً لم يحتمل أن يعيده
إليه ثانيةً وإنما كان يعتقد بخروج ثوب الصيني عن محلّ ابتلائه إلى آخر عمره ـ
لرجَعَ العلمُ الإجمالي منجّزاً عليه مرّةً اُخرى ، وهكذا .. هذه الأحكام
المتبدّلة بحسب اعتقاد زيدٍ غيرُ محتملة ، وهي تكشف عن بطلان قول البعض بجريان
الاُصول الترخيصيّة ـ في الإناء أو في الثوب الباقي أمامنا ـ بلا معارض .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 294