اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 221
وأمّا البائع فإنه إنما يحلف
على عدم الهبة وذلك لاسترداد كتابه وللفرار من إعطائه الكتابَ بالمجّان ، ولكنه لا
يُثبت بالحلف على عدم الهبةِ الثمنَ ، لأنّ الثمن يَثبت بالبـيع لا بعدم الهبة .
وبتعبـير آخر : هو يريد أن يحلف على عدم الهبة ، ليُثبت أنه قد باع الكتاب ،
ليُثبت بالتالي الثمنَ !
الظاهر أنه يجب على القاضي أن
يحكم بملكية الكتاب للآخذ ، وذلك لتسالم الطرفين بأنّه صار له ، حتى على فرض البـيع
، إذ أنّ البـيع يَلزمُ بمجرّد تسليم أحد العِوَضَين ، فيثبت العِوَضُ الآخرُ في
ذمّة المشتري . إنما الخلاف في أنه هل هو ضامنٌ للثمن أو لا ؟ الأصل عدمُ الضمان ،
وقاعدةُ (على اليد ما أخذت حتى تؤدّي) موردها الغصب ونحوُ ذلك ، لا الهبة والتسليط
المجّاني ، أقصد أنه لم يثبت موضوع قاعدة اليد ، وكذلك لم يثبت العقد المعاوضي حتى
يثبت ضمان الثمن .
فإن قلتَ : لكن للبائع حقّ
الفسخ مع عدم تسديد الثمن له ، فإذن يحقّ له الفسخُ . أو قلْ : إنّ البـيع مغيّى
بعدم دفع الثمن ، فمع عدم تسديد الثمن كان للبائع الفسخُ . وبتعبـير آخر : مع
التردّد في كون البـيع مؤبّداً أو مؤقّتاً ، الأصلُ أنه ليس مؤبّداً ، أو قُلْ
الأصلُ أنه مؤقّت .
قلتُ : هذا فرعُ وجود بـيع
، وإنّ أصلَ البـيع لم يثبت ، أو قُلْ : جوازُ الفسخِ فرعُ ثبوتِ الثمن في ذمّة
الآخذ . وأصالةُ المؤقَّتِية في البـيع كلام بلا دليل ، بل الأصلُ لزوم البـيع
وأبديّته ، وهذا مقتضى قوله تعالى [اَوفوا بالعقود] ومقتضى قول الصادق (ع) البـيعان بالخِيار ما
لم يفترقا ، وإذا افترقا وجب البـيع وقوله (ص) المؤمنون عند شروطهم .
وبتعبـير آخر : قولهم بأنّ
الأصل المؤقّتيةُ في البـيع معناه عدم اللزوم ، وهذا كلام باطل ، فإنّ الأصل في البـيع
مع تسليم أحد العوضين اللزوم ، وكذا الأصلُ في الهبة للأرحام مثلاً اللزوم .
إلا أنه لو فرضنا أنّ المالك
الثاني طَلَبَ من القاضي تحليفَ المالكِ الأوّل على البـيع وعدم الهبة فحَلَفَ
المالكُ الأوّل فهنا يجب أن يقال بلزوم إعطاء الكتاب للمالك الأوّل ، وذلك كي لا
يكون حلف المالك الأوّللغويّاً وهباءً منثوراً [191] .
[191] يقول السيد
اليزدي في كتابه العروة ج 6 ص 464 : "لا يخفى أنّه قد يختلف صدق المدّعي
والمنكر بحسب مصبّ الدعوى ، مثلاً إذا اختلفا في أنّه باعه كذا أو وهبه إيّاه ،
فإن لم يكن نظرهما إلاّ إلى تعيـين أنّ الواقع هو البـيع أو الهبة يكون كلّ
منهمامدّعياً ومنكراً ، وإن كان مصبّ الدعوى والغرض منها ثبوتَ العِوَض وعدمَه
، فبناءً على جريان قاعدة احترام المال وأنّه لا يذهب عبثاً يكون المدّعي مَن يقول
بالهبة ، وبناءً على عدم ثبوتها وجريانِ أصالة البراءة عن الشغل بالعِوَض يكون
المدّعي من يقول بالبـيع ، وإن كان مصبّها جواز استرداد ذلك المال وعدمه ، يكون المدّعي
من يقول بالهبة ، فإنّه يدّعي جواز الرجوع ، وإن كان مصبّها ضمان العين وعدمه إذا
تبـين فساد المعاملة وقد تلف العين ، كان المدّعي من يقول بالبـيع ، لأنّه يدّعي الضمان
بمقتضى قاعدة "ما يضمن .." والأصل البراءة عن العوض . نعم ، لو قلنا
بجواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة مطلقاً أو في مورد يكون العامّ
مقتضياً كما في اليد المقتضية للضمان ، يكون المدّعي من يقول بالهبة ، لأنّ مقتضى
عموم على اليد الضمان ، وهو مقدّم على أصل البراءة" (إنـتهى).
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 221