اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 180
على الناس حِجُّ البـيتِ] ، وذلك
لأنّ هذه الأدلّة ناظرة من الأصل وبالتسالم بين المسلمين إلى خصوص البالغ العاقل ،
وذلك بدليل "رّفع القلم عن الصبي حتى يحتلم" ، كما أنّه ليس له أن
يرجع إلى أصالة عدم الجعل ، وذلك لتماميّة الجعل عند نزول قولِه تعالى [اليَومَ
أَكمَلْتُ لكُمْ دِينَكُم] وأنه "في الجامعة كلُّ حلال وحرام ، حتى الأرش في
الخدش" وهذا أمرٌ مسلّم بين الشيعة أيضاً , وليس له أن يرجع إلى أصالة عدم
البلوغ ، وذلك لفرض شكّه في البلوغ وعدمه حين بلوغه ثلاث عشرة سنة ، وأنّ شكّه
حكمي وليس موضوعياً ، والإستصحاب في الشبهات الحكمية لا يجري في حال كون المستصحب
أمراً بسيطاً [173]، وهو الآن شاكّ في
كونه بالغاً أو لا ، فصار الموضوع موضوعاً آخر ، أو قل : المستصحبُ هنا بسيط ،
ولا يمكن الإستصحاب في عالم الجعل في الاُمور البسيطة ، لأنّه في عالم الجعل يوجد
طفرية فقط ، بمعنى أنه في سنّ الثلاثة عشر حكمه كذا ، وفي سنّ الخامسة عشر حكمه
كذا ، فعالم الجعل إذن عالم الطفرات ، وليس فيه البناء على البقاء على الحالة
السابقة ، وإنما لكلّ واقعة حكم ، إذن هذا الصبي الآن ـ حين صار عمره ثلاث عشرة
سنة ـ إمّا بالغ في عالم الجعل وإمّا لا ، فكيف يتصوّر في حقّه استصحاب عدم البلوغ
؟! وكما لو ارتكب المؤمنُ الصغائرَ وشككنا في بقائه ـ رغم ذلك ـ على العدالة ،
فهنا لا يجوز لنا استصحابُ بقاء الموضوع ، وذلك لأنه بعد ارتكابه للصغائر حصل
موضوع آخر ، وهو هل يجوز الصلاة خلف مَن يرتكب الصغائر أم لا ؟ وهو ما نقصده
بقولنا "لأنه موضوع بسيط" ، بمعنى أنه الآن ـ في عالم الجعل ـ إمّا عادل
وإمّا فاسق ، فلا يجوز الإئتمامُ به .
نعم الإستصحاب يجري فيما لو كان المستصحبُ أمراً مركّباً ، كما لو أغمي على المرجع
وشككنا في مقوّمية إفاقته ووَعْيِهِ لجواز تقليده ، فهنا نستصحب بقاء موضوع الحكم
ونبقى على تقليده .
[173]
لا شكّ في عدم صحّة
جريان الإستصحاب في الشبهات الحكمية ـ إلا
في استصحاب عدم النسخ ـ ،
لأنك إنْ أردتَ استصحابَ الحكم فلا أثر شرعيّ منجزاً له ، وذلك كما لو فرضتَ أنّ
المرجع إذا مات فهل لك أن تستصحب جواز البقاء على
تقليده أو لا ؟ فالجواب : طبعاً لا يصحّ هذا الإستصحاب ، لأنك إنما تريد أن
تُـثْبِتَ من خلال هذا الإستصحابِ (جوازَ البقاء على تقليده) وهذا ليس أثراً
شرعياً ، لأنه فرضيّ وغيرُ منجّز ، والأثرُ الشرعي يجب أن يكون منجّزاً بالإجماع ،
ولا يصحّ أن يكون افتراضياً وهْمِيّاً ، ولذلك لك أن تقول بأنّ هذا الإستصحاب هو
أصلٌ مثبتٌ أيضاً ، لأنّ إثبات (جواز البقاء على تقليد المرجع حتى على فرض موته)
هو حكم شرعي ، وهو بما أنه ليس أثراً شرعياً منجّزاً فيجب أن نقول بأنه حكم شرعيّ
ظاهريّ إدّعائي ، ولذلك كان هذا الإستصحاب أصلاً مثُبِتاً لهذا الحكم الشرعي
الظاهري الإدّعائي الفرضي .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 180