اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 173
وبمناسبة دلالات التـقرير ، وعند
ذِكْرِ حُجيّةِ السيرة بلحاظ مرحلة الظاهر والإكتفاء بالظنّ ، تعرّض السيدُ الشهيد
الصدر في الحلقة الثالثة من كتابه (دروس في علم الأصول) [166]إلى حُجِّـيّة قول
اللغوي عند الشكّ في معنى كلمةٍ ما واعتمادِ قوله وإن لم يُفِدْ سوى الظنّ ، فأقول
:
حـُجِّـيـَّة
قَـول اللُّغَوي
لا شكّ أنّ قول اللغوي هو أمارة
على معنى من المعاني أي أمارة ـ ولو ضعيفة ـ على إفادة الوضع ، فإن أفاد كلامُه
الإطمئـنانَ فلا شكّ ح في حجيّة قوله من باب حجيّة الإطمئـنان ، إنما الكلام فيما
لو لم يُفِدْ قولُه الإطمئـنانَ ، فهل هناك سيرةٌ ممضاة من قِبَلِ المعصومين iعلى حجيّة قول اللغوي في فهْمِ معاني القرآن الكريم وكلام المعصومين أم
لا ؟ فلو قال اللغويّ مثلاً إنّ الصعيد هو مطلق وجه الأرض ، فهل يجوز الأخْذُ
بقوله لنجوّز التيمّمَ بالحجر لأنه من وجه الأرض ؟
الجواب : جرى المعصومون (علیهم السلام)
في سلوكهم وتصرّفاتهم مجرى الناس العقلاء ، والعربُ من أيام المعصومين كانوا
يرجعون إلى أهل اللغة في فهْمِ الآيات والروايات ، ولا يمكن في فهْمِ المعاني
الخفيّة إلاّ الرجوعُ إليهم ، وهذا أمْرٌ وجداني تـقتضيه فطرةُ رجوع الجاهل إلى
العالِم في مواضع خِبْرَتِه ، واللغويُّ يُقَدّمُ للناس معاني الكلمات العربـية ، ويقدّم
كافّةَ الإستعمالات لها والشواهدَ عليها ، وهذا يوجب الإطمئـنانَ ـ عادةً ـ بصحّة
قولِه ، ولا مصلحة له ـ عادةً ـ في تغيـير المعاني واختلاق الإستعمالات الكاذبة .
ثم إنه لا شكّ في سكوت المعصومين (ع) عن هذا
الرجوع ، وإلاّ لظهر رفْضُهم واستـنكارُهم لهذه السيرة الفطريّة ، ولبان ذلك في
عشرات الروايات ، لا أقلّ من باب الخوف من سريان هذه السيرة الفطريّة من مجال
الأمور التكوينية الشخصيّة إلى مجال الشرعيّات ، فسكوتُهم (علیهم السلام)
عن هذه السيرة التي هي إمّا شاملة للشرعيّات قطعاً أو يُظَنّ سريانُها إلى
الشرعيّات يوجب الإطمئـنانَ بحجيّة قول اللغوي شرعاً ، لكنْ إنْ أفاد قولُه الظنَّ
، لا أقلّ من ذلك ، وذلك اقتصاراً على القدر المتيقّن من الحجيّة ،أقصد أنه يُشترَطُ عدمُ العِلْمِ بوجود
معارض لكلامه وعدمُ العِلمِ بتعمد اللغوي على الكذب والمسامحة ونحو ذلك .
وقد ادُّعِي الإجماعُ على حجيّة
قول اللغوي، ومن القائلين بالحجيّة : المجدّد الشيرازي والشيخ محمد السند وهو
الأشبه بالحقّ، ومن القائلين بعدم الحجيّة المحقّق النائيني في أجود التـقريرات[167]
[166]
الحلقة الثالثة / الجزء الأوّل من كتابنا / عند بحثه عن دلالات التـقرير ص 317 .