اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 155
مثال ثالث : قال الله [ وَكُلُواوَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبين لَكُمُ
الخَيْطُ الأَبـيضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ] [126] ، فإنْ فهِمْنا توقّفَ
طبـيعي جواز الأكل والشرب على بقاء الليل ـ أي إنْ فهِمْنا أنّ المراد هو (إنما
يجوز الأكلُ والشربُ في شهر رمضان في الليل فقط ) ـ فللآية مفهومٌ ـ أي في النهار
لا يجوز أصلاً ـ وإلاّ فلا ، وإنْ فهِمْنا معنى "قد جَعَلَ اللهُ جوازَ
الأكلِ والشرب في وقت الليل ، فإذا تبين لنا الفجرُ فقد جَعَلَ اللهُ الحرمةَ في
الأكل والشرب ـ وذلك كما لو قال شربُ الخمرِ حرامٌ وأكْلُ الخُبزِ حَلالٌ ـ فلا
مفهوم حينـئذ ، وبتعبـيرٍ آخر : إنْ فَهِمْتَ مِنَ الآية معنى (جَعَلَ اللهُ جوازَ
الأكلِ والشرب في الليل في شهر رمضان ، وجَعَلَ الحرمةَ في نهار شهر رمضان) فلا
مفهوم ، لأنّ الموضوع ح سيكون شخصيّاً ، وبالتالي حُكْمُه أيضاً سيكون شخصيّاً ،
وبما أنّ الفهم الثاني هو الظاهر ، فلا مفهوم إذن لهذه الجملة الغائيّة .
* وقد يَتوهّم بعضُ الناسِ وجودَ
مفهومٍ لبعض الجمل الغائيّة ، وفي الحقيقة أنّ ما ذُكِرَ لها من المفهوم إنما هي
مداليل مطابقيّة وليست مداليلَ إلتـزاميّةً ، وذلك من قبـيل :
ما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (ع) قال : كلّ شيء فيه حلالٌ وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرامَ منه
بعينه فـتـدعه [127] ، ومثلُها موثّقةُ عمّار المشهورة
القائلة بأنّ
كلّ شيء
نظيفٌ حتى تعلم أنه قذر ، فإذا
علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك [128]
،
فقد يقال بأنّ العرفَ يفهمُ من هذه الرواية توقّفَ طبـيعي الحكمِ الظاهري على عدم معرفة
الحرام الواقعي ، إذن للرواية مفهوم . ولكن هذا الإدّعاءُ غير مهمّ ، وذلك لأنّ
المفاهيم المدّعاة هنا هي مذكورة بصراحة في الروايتين .
* ملاحظة : لا ينبغي إيلاءُ أهميّة
كبـيرة لكلمتَي (حتى) و (إلى) في هكذا مواضع ، بذريعة أنّ (حتى) تفيد دخولَ الغاية
فيها مع ما قبلها ، وأمّا في حرف (إلى) فالغايةُ خارجة عمّا قبلها ، فإنه لا فرق
في الأمثلة المذكورة ـ كما رأيتَ في الصنفين السابقين ـ بين استعمال كلمة (حتى) وكلمة
(إلى) ،