اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 140
والمقارِنات الوجوديّة[110] ، أو قُلْ : إنّ
موضوعات الأحكام القانونيّة ـ في مرحلتَي التصوّر والتـقنين ـ هي كلّيّة ذهنيّة .
ومراد العلماء من الطبائع هنا هو وجودها العنواني في الذهن القابلُ للإيجاد مع غضّ
النظر عن الأعراض واللوازم الخارجيّة ، كما أن المراد بالأفراد هو الطبـيعة مع الأعراض
الخارجية . وليس مرادنا من كلامنا السالف الذكر هو أنّ الأحكام متعلّقةٌ
بالموضوعات الذهنيّة المحضة الغير قابلة للتحقيق والإيجاد في الخارج ـ كالصلاة
الكلّيّة أي الموصوفة بوصف عقلي ، فتصير بسبب هذا الإتّصاف العقلي غيرَ قابلة
للوجود في الخارج ، وهذا الكلّي يعبّرون عنه بالكلّي العقلي ـ فإنّ هذا المعنى لا
يصدر من العقلاء ، فلا يمكن أن يريد الآمرُ الحكيمُ إيجادَ الصلاة الذهنيّة المحضة
الخالصة من الأعراض الخارجيّة ، وذلك لأنّ كلّ فرد ممتـثَل لا بدّ أن يتخصّص
بخصوصيّات خارجيّة معيّنة .
وعلى هذا الأساس قال العلماء
إنّ الأحكامَ متعلّقة بالطبائع ، ومرادُهم ما ذكرنا ، وليست الأعراضُ والخصوصيّاتُ
المشخِّصةُ للأفراد مطلوبةً أصلاً ، لا بل لا يعقل تعلّقُ الأحكامِ القانونية
الذهنيّة بالأفراد الخارجيّة ، لأنك مهما قيّدتَ موضوعات الأحكامِ القانونيّة
فإنها تَبقَى كليّةً لكون موضوعاتها المتصوَّرة ذهنيّةً . فلو قال المولى مثلاً
"الصلاة الواجبة هي الصلاة المقيّدة بالطهارة وأن يكون اللباس من المأكول
اللحم ومن المذكّى وأن يكون مكان المصلّي مباحاً وو ..." لكانت هذه التـقيـيدات
كلُّها كليّةً ، لأنها ذهنيّة ، ولذلك يمكن تطبـيقُها وامتـثالها بأكثر من مصداق
في الخارج .
فحينما يأمر المولى تعالى
بالصلاة فإنّ العقل يَفهم أنه
إنما يأمر بإيجاد طبـيعي الصلاة مع غضّ النظر عن كون لباس المصلّي أبـيضَ أو أسود
أو أحمر ، ومع غضّ النظر عن كون الصلاة في هذا المكان أو في ذلك المكان ، ومع غضّ
النظر عن كونها في أوّل وقت الفريضة أو في وسطه أو في آخره ... فإذا حقّق الإنسانُ
هذه الطبـيعةَ فقد امتـثل عقلاً ، لكون هذا الفرد من الصلاة مصداقاً من مصاديق الطبـيعة
المأمور بها ، وليست الأعراضُ مطلوبةً أصلاً . ولذلك لا يفهم العقلُ أنّ هذا الفرد
الجزئي[111] الذي أتينا به هو
المأمور به بالعنوان الأوّلي .
[110]
هذه التعبـيرات الثلاثة معناها واحد ، وإنـنا نعدّد الألفاظَ ـ رغم وَحدة المعنى ـ لطلاّب الخارج لنذكّرهم بكافّة
التعابـير ، وقد ذَكَرْنا هذا الأمرَ في مقدّمة كتابنا هذا ، وقلنا إنـنا لا نكلّم
هنا الفقهاءَ العظام ، وإنما نعلّم الطلابَ الكرام فقط ، وهذا أمْرٌ جارٍ في كلّ
كـُتُبنا ، لأنـنا بَـنـَينا منذ البداية على أن تكون كـُتُباً تعليميّة لا أكثر ،
وهذا واضح في كلّ كُـتُبنا .
[111]
فائدة منطقيّة : الجزئي هو خصوص الموجود في الخارج ،
وأمّا الكلّي الطبـيعي فنحوان : الأوّل هو صورة الجزئي الموجودة في الذهن ،
فإنها كليّة لأنها قابلة للإنطباق على مصاديقَ كثيرةٍ في الخارج ، والثاني
المفاهيم الكليّة مثل حيوان ، إنسان ، ناطق ، ماشٍ ، ضاحك ، جميل ... فإنها مفاهيم
كليّة ، لأنّ لها مصاديق ـ أي جزئيات ـ في الخارج .
أمّا الحيوانية ، الجمال ، المشي ، البـياض ،
الضحك ، العدل ... وسائر المصادر فإنها مفاهيم ذهنيّة ثانية ، لا يوجد لها مصاديق
في الخارج ، لذلك فهي ليست كليّات ـ بخلاف المفاهيم الذهنية الأولى السالفة الذكر التي
لها مصاديق في الخارج ـ .
فأنت لا ترى المشيَ في الخارج ولا ترى البـياضَ ولا ترى الحيوانية ، وإنما ترى
الماشي يتحرّك ، وترى الجسمَ الأبـيض ، وترى الحيوانَ ، أو قُلْ : أنت لا ترى
المشيَ ولن تستطيع أن تصفه بأنه طويل أو قصير أو جميل أو أنه أبـيضُ اللون أو أسود
... وإنما أنت ترى الشخصَ الماشي لا أكثر . وأيضاً أنت لا ترى البـياضَ ولذلك لا
تستطيع أن ترسمه أو أن تصفه بأنه طويل أو قصير أو ناعم أو خشن ... وإنما ترى
الجسمَ الأبـيض فقط ، لا غير ، وأنت لا ترى العدلَ وإنما ترى العادلَ ... وكذا
الأمرُ في سائر المصادر .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 140