اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 122
كما قلنا قبل قليل ـ يكفي في
التعبّديّة أن يعمل الإنسانُ العملَ بنـيّة القربة إلى الله تعالى ونحو ذلك من المقرِّبات
إليه .
فإن قلتَ : إن لم يَـنوِ
المكلّفُ نـيّة القربة إلى الله سبحانه ، وكان الواجب عباديّاً في الواقع ، فهو لن
يحقّق الغرضَ ، فعليه يجب القول بجريان أصالة الإشتغال ، وبالتالي يجب الإحتياط .
قلتُ : نحن نعترف أنه لن
يتحقّق الغرضُ الواقعي ، ولكن لا يَدخل الغرضُ الواقعيُّ في ذمّة المكلّف ، وإنما
الذي يَدخل في ذمّته هو خصوص ما يعلمه ، بمعنى أنه لا يتـنجّز على المكلّف إلاّ ما
عَلِمَ به فقط ، فأنت تعلم أنه رُفِعَ عن اُمّةِ رسول الله pما لا يعلمون ، وهذا
أمرٌ واضح عند جميع العلماء . وبعد هذا لا داعي لإتلاف الوقت فيما لا فائدة فيه .
الأمر الثاني : النـَّفْسِيّة
والعَينـيّة والتَّعْيـينـيّة
هل إطلاق صيغة الأمر يـقتـضي
النفسيّة والعينـيّة والتعيـينـيّة أم لا ؟
لا شكّ في أنّ عدم تـقيّد صيغة
الأمر بكونه مقدّمةً لغيره يقتضي الإطلاق ، أي أنّ الأصل يقتضي أنّ الأمر هو نفسيّ
، لا غيري ، لأنّ كونَه غيرياً ، فيه تـقيّدٌ زائد يُنفَى بالإطلاق
المـقامي وبالأصل العقلي والنقلي . فلو شككتَ في وجوب أمرٍ هل أنه وجوب نفسي أم وجوب غيري ،
فالتـقيّدُ بكونه لأجل أمر آخر هو تكيفٌ زائد ، فلو وردك (توضّأ) وشككتَ في كون
وجوب الوضوء وجوباً نفسياً ـ أي مطلقاً ـ أم وجوباً غيرياً ـ أي هو بنحو (إذا وجب
شيءٌ فتوضّأ) ـ فإنك ترى نفسَك تـنفي التـقيُّدَ الزائدَ بالإطلاق المقامي وبأصالة
البراءة وقاعدتها ؟ ليثبت بالتالي عدمُ التـقيّد ؟ مثالُ ذلك : لو قال لك المولى
(توضّأ) ولم يقيّد هذا الأمرَ بوجوب الصلاة ـ أي لم يقل [إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُواوُجُوهَكُمْ ..][85] ـ فماذا تـفهمُ منها ؟
ألا تـفهم منها أنّ وجوب الوضوء هو نفسي ؟ فأنت تلقائيّاً سوف تـقول : لو كان
الأمْرُ غَيريّاً لَقيَّدَ وجوب الوضوءَ بوجوب الصلاة ، أي لَذَكَرَ غايةَ الوضوءِ
ولَرَبَطَ المقدّمةَ بغايتها ، فحينما لم يقيّد وجوبَ الوضوء بالصلاةِ صار وجوبُ الوضوءِ
مطلقاً ، أي سواء أردنا أن نصلّي أم لا .