responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لمحات الأصول المؤلف : بروجردى، حسين    الجزء : 1  صفحة : 35

المطلوب، بل الكمال يحصل بتسليمه لأمر المولى، و إتيان ما في قدرته من أسباب الذبح؛ من تلّه للجبين، و وضع المدية على الحلقوم، و الإمرار بشدّة لإرادة الذبح فلم يبق من أسبابه الاختياريّة شي‌ء إلّا أتى‌ به، فوقع منه ما في قدرته، و ما لم يقع لم يكن تحت قدرته. فإذا سلّم لهذا الأمر العظيم الذي تصغر دونه المُعْظمات، حصل له الكمال التامّ المتوقّع الذي لا يحصل إلّا بالمقدّمات.

فإرادة حصول هذه الغاية العظمى، صارت سبباً لإرادة المقدّمات على نحو اعتقد الخليل عليه السلام مطلوبيّة ذي المقدّمة منه؛ فإنّ الغاية لم تكن مترتّبة على المقدّمات إلّا بهذا النحو، و حصولها به لم يكن ممكناً إلّا بالأمر بالذبح، فالأمر به مسبّب عن هذه الإرادة، فلم يكن غيرَ الإرادة شي‌ء نسمّيه «الطلب» (7) [1].


[1]. 7- و بالجملة: ما هو فعل اختياري للآمر هو الأمر الصادر منه، و هو مسبوق بالمبادئ الاختيارية، سواء فيه بين الأوامر الامتحانية و غيرها، و إنّما الفارق بينهما بالدواعي و الغايات.

فالداعي للأوامر غير الامتحانية- و ما يكون باعثاً للأمر و غاية له- هي الخاصية المدركة من المتعلّقات، فالداعي إلى الأمر بإتيان الماء للشرب هو الوصول إلى الخاصّية المدركة.

و أمّا الداعي إلى الأوامر الامتحانية و الإعذارية هو امتحان العبد و اختباره، أو إعذار نفسه. (الطلب و الإرادة: 24).

هذا كلّه في الأوامر الصادرة من الموالي العرفية. و أمّا الأوامر و النواهي الإلهية- ممّا أوحى اللَّه إلى أنبيائه- فهي ليست كالأوامر الصادرة منّا في كيفية الصدور، و لا في المعلّلية بالأغراض و الدواعي؛ لأنّ الغايات و الأغراض و الدواعي كلّها مؤثّرات في الفاعل، و يصير هو تحت تأثيرها، و هو غير معقول في المبادئ العالية الروحانية فضلًا عن مبدأ المبادئ جلّت عظمته؛ لاستلزامه للقوّة التي حاملها الهيولى، و تركّب الذات من الهيولى و الصورة و القوّة و الفعل و النقص و الكمال، و هو عين الإمكان و الافتقار، تعالى‌ عنه.

فما هو المعروف بينهم: «إنّه- تعالى‌- يفعل للنفع العائد إلى العباد»، مشترك في الفساد و الامتناع مع فعله للنفع العائد إليه.

و لا يلزم ممّا ذكرنا أن يكون فعله لا لغرض و غاية، فيكون عبثاً؛ لأنّ الغاية في فعله- و هو النظام الأتمّ التابع للنظام الربّاني- هو ذاته تعالى‌، و الفاعل و الغاية فيه تعالى‌ واحد، لا يمكن اختلافهما، لا بمعنى‌ كونه تعالى‌ تحت تأثير ذاته في فعله؛ فإنّه- أيضاً- مستحيل بوجوه، بل بمعنى‌ أنّ حبّ ذاته مستلزم لحبّ آثاره استجراراً و تبعاً، لا استقلالًا و استبداداً. فعلمه بذاته علم بما عداه في مرتبة ذاته، و علّة لعلمه بما عداه في مرآة التفصيل، و حبّه بذاته كذلك، و إرادته المتعلّقة بالأشياء على وجه منزّه عن وصمة التغيّر و التصرّم لأجل محبوبية ذاته و كونها مرضية، لا محبوبية الأشياء، و كونها مرضية استقلالًا. و إلى ذلك أشار الحديث القدسي المعروف: «كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف» فحبّ ظهور الذات و معروفيتها، حبّ الذات لا الأشياء.

و ليعلم: أنّ إيحاء الوحي و إنزال الكتب و إرسال الرسل، جزء من النظام الأتمّ الكياني التابع للنظام الأجمل الربّاني، و كيفية تعلّق الإرادة بها ككيفية تعلّقها بالنظام الكياني، بنحو التبعية و الاستجرار للنظام الربّاني؛ أي حضرة الأسماء و الصفات، و هي الكنز المخفي المحبوب بالذات، و المحبّ و المحبوب و الحبّ عين الذات.

فتحصّل ممّا ذكرنا: وهن تمسّك الأشعري لإثبات مطلوبه بالأهمّ الامتحانية؛ فإنّه- مع ما عرفت بطلانه- لو فرض كلام نفسيّ، و طلب نفسي لنا فيها لا يمكن تصوّره في ذات القيّوم الواجب جلّ و علا، و هل هذا إلّا قياس الحقّ بالخلق و التراب و ربّ الأرباب و لعلّ النملة ترى‌ أنّ للَّه زبانيتين. (الطلب و الإرادة: 26- 27).

اسم الکتاب : لمحات الأصول المؤلف : بروجردى، حسين    الجزء : 1  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست