و أمّا من قبل الرشيدين. فكان الناس يقلّدون أمثال الزهري، و الثوري، و معمّر بن راشد الكوفي من الّذين ترحّلوا إلى الآفاق في طلب الفقه، و الحديث، و اخترعوا أساس تقييدهما بالكتب و التصانيف.
ثمّ من قبلهم كانوا يتّبعون فقهاء الأمصار كابن أبي علىّ الكوفي، و ابن جريح، و الأوزاعي الشامى، و أمثالهم التابعين للتابعين للأصحاب.
و عن بعض كتب تواريخ العامّة أنّ عامّة أهل الكوفة كان عملهم في عصر مولينا الصادق عليه السّلام على فتاوى أبي حنيفة، و سفيان الثوري، و رجل آخر، و أهل مكّة على فتاوى ابن جريح، و أهل المدينة على فتاوى مالك، و رجل آخر، و أهل البصرة على فتاوى عثمان و سواده، و غيرهما، و أهل الشام على الاوزاعى، و الوليد، و أهل المصر على ليث بن سعيد، و أهل خراسان على عبد اللّه بن المبارك، و كان فيهم من أهل الفتوى غير هؤلاء إلى أن استقرّ رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة في سنة خمس و ستّين و ثلثمأة. هذا.
و من أظرف الأشعار المشير إلى أسماء أئمّتهم الأربعة المشار إليهم- مع الإشارة إلى طريقتى الأشعريّة و المعتزلة- هو ما نقله عنه صاحب «الكشكول»:
قلت و قد لجّ في معاتبتى
و ظنّ أنّ الملال من قبلى
خدّك و الأشعرىّ حنفىّ
و كان من أحمد المذاهب لي
حسنك ما زال شافعيّ أبدا
يا مالكىّ كيف صرت معتزلىّ
ثمّ إنّ في كتاب «وفيات الأعيان» في أواخر ترجمة صاحب العنوان: أنّ له أيضا ولدين عالمين، و هما صالح و عبد اللّه. فأمّا صالح فتقدّمت وفاته، و أمّا عبد اللّه فإنّه بقى إلى سنة تسعين و مأتين، و به كان يكنّى الإمام أحمد- رضي اللّه عنهم أجمعين-.
قلت: و كنية عبد اللّه هذا أبو عبد الرحمن، و له كتاب «المسند» عن أبيه و غيره، و كثر عنه النقل في «عمدة» ابن البطريق الحلّى، و غيره.
و في بعض المواضع أنّ صالحا تولّى القضاء بإصفهان إلى أن توفّى فيها.
ثمّ ليعلم أنّ من جملة ما ينبّئك عن قلّة تعصبّ هذا الصالح ابن الطالح، و والده