اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 378
يكون واحدا ، والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا
رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه ، وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يجز ، وإن
شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان : الجواز ، والمنع ، قا : وإذا تنازع
الخصمان في اختيار أحدهما وجب أن يقترعا عنده .
وأما فضائل القضا فكثيرة ، وقد ذكرها الناس في كتبهم .
وقد اختلفوا في الامي هل يجوز أن يكون قاضيا ، والابين جوازه لكونه
عليه الصلاة والسلام أميا ، وقال قوم : لا يجوز ، وعن الشافعي القولان
جميعا ، لانه يحتمل أن يكون ذلك خاصا به لموضع العجز ، ولا خلا ف في جواز
حكم الامام الاعظم ، وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه لا خلاف أعرف فيه .
واختلفوا من هذا الباب في نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الاحكام .
فقال مالك : يجوز ، وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يجوز ، وقال أبو حنيفة : يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد
.
الباب الثاني : في معرفة ما يقضي به
وأما فيما يحكم ، فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شئ من الحقوق كان
حقا لله أو حقا للآدميين ، وأنه نائب عن الامام الاعظم في هذا المعنى وأنه
يعقد الانكحة ويقدم الاوصياء ، وهل يقدم الائمة في المساجد الجامعة ؟ فيه
خلاف ، وكذلك هل يستخلف ؟ فيه خلاف في المرض والسفر إلا أن يؤذن له .
وليس ينظر في الحياة ولا في غير ذلك من الولاة ، وينظر في التحجير على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم .
ومن فروع هذا الباب هل ما يحكم فيه الحاكم يحله للمحكوم له به ، وإن
لم يكن في نفسه حلالا ؟ وذلك أنهم أجمعوا على أن حكم الحاكم الظاهر الذي
يعتريه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك في الاموال خاصة لقوله عليه
الصلاة والسلام : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن
بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه
فلا يأخذ منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار .
واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق
وليس بحق ، إذ لا يحل حرام ، ولا يحرم حلال بظاهر حكم الحاكم دون أن يكون
الباطن كذلك هل يحل ذلك أم لا ؟ فقال الجمهور : الاموال والفروج في ذلك
سواء ، لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك مثل أن يشهد
شاهد زور في امرأة أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست لهبزوجة ، فقال
الجمهور : لا تحل له وإن أحلها الحاكم بظاهر الحكم .
وقال أبو حنيفة وجمهور أصحابه : تحل له .
فعمدة الجمهور : عموم الحديث المتقدم ، وشبهة الحنفية أن الحكم
باللعان ثابت بالشرع ، وقد علم أن أحد المتلاعنين كاذب ، واللعان يوجب
الفرقة ويحرم المرأة على زوجها الملاعن لها ويحلها لغيره ، فإن كان هو
الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم ، وكذلك إن كانت هي الكاذبة ، لان
زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 378