اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 148
الباب الثاني : في بيع البراءة
ختلف العلماء في جواز هذا البيع ، وصورته أن يشترط البائع على
المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم ، فقال أبو حنيفة : يجوز
البيع بالبراءة من كل عيب سواء علمه البائع أو لم يعلمه ، سماه أو لم يسمه ،
أبصره أو لم يبصره ، وبه قال أبو ثور .
وقال الشافعي في أشهر قوليه وهو المنصور عند أصحابه : لا يبرأ البائع إلا من عيب يريه للمشتري ، وبه قال الثوري .
وأما مالك فالاشهر عنه أن البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب ،
وذلك في الرقيق خاصة ، إلا البراءة من الحمل في الجواري الرائعات ، فإنه
لا يجوز عنده لعظم الغرر فيه ، ويجوز في الوخش ، وفي رواية ثانية : أنه
يجوز في الرقيق والحيوان .
وفي رواية ثالثة مثل قول الشافعي .
وقد روي عنه أن بيع البراءة إنما يصح من السلطان فقط وقيل في بيع السلطان وبيع المواريث ، وذلك من غير أن يشترطوا البراءة .
وحجة من رأى القول بالبراءة على الاطلاق أن القيام بالعيب حق من
حقوق المشتري قبل البائع ، فإذا أسقطه سقط ، أصله سائر الحقوق الواجبة .
وحجة من لم يجزه على الاطلاق أن ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه
البائع ، ومن باب الغبن والغش فيما علمه ، ولذلك اشترط جهل البائع مالك .
وبالجملة فعمدة مالك ما رواه في الموطأ أن عبد الله بن عمر باع
غلاما له بثمانمائة درهم وباعه على البراءة ، فقال الذي ابتاعه لعبد الله
بن عمر : بالغلام داء لم تسمه ، فاختصما إلى عثمان ، فقال الرجل : باعني
عبدا وبه داء لم يسمه لي .
وقال عبد الله : بعته بالبراءة ، فقضى عثمان على عبد الله أن يحلف
لقد باع العبد وما به من داء يعلمه ،فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد .
وروي أيضا أن زيد بن ثابت كان يجيز بيع البراءة .
وإنما خص مالك بذلك الرقيق لكون عيوبهم في الاكثر خافية .
وبالجملة خيار الرد بالعيب حق ثابت للمشتري ، ولما كان ذلك يختلف
اختلافا كثيرا كاختلاف المبيعات في صفاتها وجب إذا اتفقا على الجهل به أن
لا يجوز أصله إذا اتفقا على جهل صفة المبيع المؤثرة في الثمن .
ولذلك حكى ابن القاسم في المدونة عن مالك أن آخر قوله كان إنكار بيع البراءة إلا ما خفف فيه السلطان .
وفي قضاء الديون خاصة .
وذهب المغيرة من أصحاب مالك إلى أن البراءة إنما تجوز فيما كان من
العيوب لا يتجاوز فيها ثلث المبيع ، والبراءة بالجملة إنما تلزم عند
القائلين بالشرط : أعني إذا اشترطها إلا بيع السلطان والمواريث عند مالك
فقط .
فالكلام بالجملة في بيع البراءة هو في جوازه وفي شرط جوازه ، وفيما
يجوز من العقود والمبيعات والعيوب ، ولمن يجوز بالشرط أو مطلقا ، وهذه كلها
قد تقدمت بالقوة في قولنا فاعلمه .
الجملة الثانية : في وقت ضمان المبيعات .
واختلفوا في الوقت الذي يضمن فيه المشتري المبيع أنى تكون خسارته إن هلك منه .
فقال أبو حنيفة والشافعي : لا يضمن
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 148