اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 111
مسألة : واختلفوا من هذا الباب في الصنف الواحد من اللحم الذي لا يجوز فيه التفاضل
فقال مالك : اللحوم ثلاثة أصناف : فلحم ذوات الاربع ، ولحم ذوات
الماء صنف ، ولحم الطير كله صنف واحد أيضا ، وهذه الثلاثة الاصناف مختلفة
يجوز فيها التفاضل ، وقال أبو حنيفة : كل واحد من هذه هو أنواع كثيرة ،
والتفاضل فيجائز إلا في النوع الواحد بعينه ، وللشافعي قولان : أحدهما مثل
قول أبي حنيفة ، والآخر أن جميعها صنف واحد .
وأبو حنيفة يجيز لحم الغنم بالبقر متفاضلا ، ومالك لا يجيزه والشافعي لا يجيز بيع لحم الطير بلحم الغنم متفاضلا ، ومالك يجيزه .
وعمدة الشافعي قوله عليه الصلاة والسلام : الطعام بالطعام مثلا بمثل
ولانها إذا فارقتها الحياة زالت الصفات التي كانت بها تختلف ، ويتناولها
اسم اللحم تناولا واحدا .
وعمدة المالكية أن هذه أجناس مختلفة ، فوجب أن يكون لحمها مختلفا .
والحنفية تعتبر الاختلاف الذي في الجنس الواحد من هذه ، وتقول إن
الاختلاف الذي بين الانواع التي في الحيوان ، أعني في الجنس الواحد منه
كأنك قلت الطائر هو وزانالاختلاف الذي بين التمر والبر والشعير .
وبالجملة فكل طائفة تدعي أن وزان الاختلاف الذي بين الاشياء المنصوص
عليها هو الاختلاف الذي تراه في اللحم ، والحنفية أقوى من جهة المعنى ،
لان تحريم التفاضل إنما هو عند اتفاق المنفعة
مسألة : واختلفوا من هذا الباب في بيع الحيوان بالميت على ثلاثة أقوال
: قول إنه لا يجوز بإطلاق ، وهو قول الشافعي والليث ، وقول إنه يجوز
في الاجناس المختلفة التي يجوز فيها التفاضل ، ولا يجوز ذلك في المتفقة :
أعني الربوية لمكان الجهل الذي فيها من طريق التفاضل ، وذلك في التي
المقصود منها الاكل ، وهو قول مالك ، فلا يجوز شاة مذبوحة بشاة تراد للاكل ،
وذلك عنده في الحيوان المأكول : حتى أنه لا يجيز الحي بالحي إذا كان
المقصود الاكل من أحدهما ، فهي عنده من هذا الباب ، أعني أن امتناع ذلك
عنده من جهة الربا والمزابنة ، وقول ثالث أنه يجوز مطلقا ، وبه قال أبو
حنيفة .
وسبب الخلاف : معارضة الاصول في هذا الباب لمرسل سعيد بن المسيب ،
وذلك أن مالكا روى عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ( ص )
نهى عن بيع الحيوان باللحم فمن لم تنقدح عنده معارضة هذا الحديث لاصل من
أصول البيوع التي توجب التحريم قال به ، ومن رأى أن الاصول معارضة له وجب
عليه أحد أمرين : إما أن يغلب الحديث فيجعله أصلا زائدا بنفسه أو يرده
لمكان معارضة الاصول له ، فالشافعي غلب الحديث وأبو حنيفة غلب الاصول ،
ومالك رده إلى أصوله في البيوع ، فجعل البيع فيه من باب الربا ، أعني بيع
الشئ الربوي بأصله ، مثل بيع الزيت بالزيتون وسيأتي الكلام على هذا الاصل
فإنه الذي يعرفه الفقهاء بالمزابنة ، وهي داخلة في الربا بجهة ، وفي الغرر
بجهة ، وذلك أنها ممنوعة في الربويات من جهة الربا والغرر ، وفي غير
الربويات من جهة الغرر فقط الذي سببه الجهل بالخارج عن الاصل .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 111