اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 380
الحيوان البحري ، فإن العلماء أجمعوا على تحليل ما لم يكن منه
موافقا بالاسم لحيوان في البر محرم ، فقال مالك : لا بأس بأكل جميع حيوان
البحر ، إلا أنه كره خنزير الماء وقال أنتم تسمونه خنزيرا ، وبه قال ابن
أبي ليلى والاوزاعي ومجاهد وجمهور العلماء ، إلا أن منهم من يشترط في غير
السمك التذكية ، وقد تقدم ذلك .
وقال الليث بن سعد أما إنسان الماء وخنزير الماء فلا يؤكلان على شئ من الحالات .
وسبب اختلافهم : هو هل يتناول لغة أو شرعا اسم الخنزير والانسان
خنزير الماء وإنسانه ؟ وعلى هذا يجب أن يتطرق الكلام إلى كل حيوان في البحر
مشارك بالاسم في اللغة أو في العرف لحيوان محرم في البر مثل الكلب عند من
يرى تحريمه .
والنظر في هذه المسألة يرجع إلى أمرين : أحدهما : هل هذه الاسماء
لغوية ؟ والثاني : هل للاسم المشترك عموم أم ليس له ؟ فإن إنسان الماء
وخنزيره يقالان مع خنزير البر وإنسانه باشتراك الاسم فمن سلم أن هذه
الاسماء لغوية ورأى أن للاسم المشترك عموما لزمه أن يقول بتحريمها ، ولذلك
توقف مالك في ذلك وقال : أنتم تسمونه خنزيرا .
فهذه حال الحيوان المحرم الاكل في الشرع والحيوان المباح الاكل .
وأما النبات الذي هو غذاء فكله حلال إلا الخمر وسائر الانبذة
المتخذة من العصارات التي تتخمر ، ومن العسل نفسه ، أما الخمر فإنهم اتفقوا
على تحريم قليلها وكثيرها : أعني التي هي من عصير العنب .
وأما الانبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر ، وأجمعوا
على أن المسكر منها حرام ، فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين : قليل
الانبذة وكثيرها المسكرة حرام .
وقال العراقيون : إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن
أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء
البصريين : إن المحرم من سائر الانبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين .
وسبب اختلافهم : تعارض الآثار والاقيسة في هذا الباب ، فللحجازيين
في تثبيت مذهبهم طريقتان : الطريقة الاولى : الآثار الواردة في ذلك .
والطريقة الثانية : تسمية الانبذة بأجمعها خمرا ، فمن أشهر الآثار
التي تمسك بها أهل الحجاز ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن عن عائشة أنها قالت : سئل رسول الله ( ص ) عن البتع وعن نبيذ العسل ؟
فقال : كل شراب أسكر فهو حرام خرجه البخاري .
وقال يحيى بن معين : هذا أصح حديث روي عن النبي عليه الصلاة والسلام
في تحريم المسكر ، ومنها أيضا ما خرجه مسلم عن ابن عمر أن النبي عليه
الصلاة والسلام قال : كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام فهذان حديثان صحيحان .
أما الاول : فاتفق الكل عليه .
وأما الثاني : فانفرد بتصحيحه مسلم .
وخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( ص ) قال : ما أسكر كثيره فقليله حرام وهو نص في موضع الخلاف .
وأما الاستدلال الثاني من أن الانبذة كلها تسمى خمرا ، فلهم في ذلك طريقتان : إحداهما : من
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 380