اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 381
جهة إثبات الاسماء بطريق الاشتقاق ، والثاني : من جهة السماع ،
فأما التي من جهة الاشتقاق فإنهم قالوا إنه معلوم عند أهل اللغة الخمر إنما
سميت خمرا لمخامرتها العقل ، فوجب لذلك أن ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما
خامر العقل .
وهذه الطريقة من إثبات الاسماء فيها اختلاف بين الاصوليين ، وهي غير مرضية عند الخراسانيين .
وأما الطريقة الثانية التي من جهة السماع ، فإنهم قالوا إنه وإن لم
يسلم لنا أن الانبذة تسمى في اللغة خمرا فإنها تسمى خمرا شرعا ، واحتجوا في
ذلك بحديث ابن عمر المتقدم ، وبما روي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص
) قال : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة وما روي أيضا عن ابن
عمر أن رسول الله ( ص ) قال : إن من العنب خمرا ، وإن من العسل خمرا ، ومن
الزبيب خمرا ، ومن الحنطة خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسكر فهذه هي عمدة
الحجازيين في تحريم الانبذة .
وأما الكوفيون فإنهم تمسكوا لمذهبهم بظاهر قوله تعالى :
﴿ ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ﴾
وباثار رووها في هذا الباب ، وبالقياس المعنوي .
أما احتجاجهم بالآية فإنهم قالوا : السكر هو المسكر ، ولو كان محرم العين لما سماه الله رزقا حسنا .
وأما الآثار التي اعتمدوها في هذا الباب ، فمن أشهرها عندهم حديث
أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس عن النبي عليه الصلاة
والسلام قال : حرمت الخمر لعينها والسكر من غيرها وقالوا : هذا نص لا يحتمل
التأويل .
وضعفه أهل الحجاز لان بعض رواته روى والمسكر من غيرها .
ومنها حديث شريك عن سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال :
قال رسول الله ( ص ) إني كنت نهيتكم عن الشراب في الاوعية فاشربوا فيما بدا
لكم ولا تسكروا خرجها الطحاوي ، ورووا عن ابن مسعود أنه قال : شهدت تحريم
النبيذ كما شهدتم ، ثم شهدت تحليله فحفظت ونسيتم .
ورووا عن أبي موسى قال : بعثني رسول الله ( ص ) أنا ومعاذا إلى
اليمن ، فقلنا : يا رسول الله إن بها شرابين يصنعان من البروالشعير :
أحدهما : يقال له المزر ، والآخيقال له البتع ، فما نشرب ؟ فقال عليه
الصلاة والسلام : اشربا ولا تسكرا خرجه الطحاوي أيضا ، إلى غير ذلك من
الآثار التي ذكروها في هذا الباب .
وأما احتجاجهم من جهة النظر فإنهم قالوا : قد نص القرآن أن علة
التحريم في الخمر إنما هي الصد عن ذكر الله ووقوع العداوة والبغضاء كما قال
تعالى :
﴿ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ﴾
وهذه العلة توجد في القدر المسكر فيما دون ذلك ، فوجب أن يكون ذلك
القدر هو الحرام إلا ما انعقد عليه الاجماع من تحريم قليل الخمر وكثيرها
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 381