اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 137
التي نقلت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام فيها مقصرا ، أو أنه جعل لها حكم المسافر .
فالفريق الاول احتجوا بمذهبهم بما روي : أنه عليه الصلاة والسلام
أقام بمكة ثلاثا يقصر في عمرته وهذا ليس فيه حجة على أنه النهاية للتقصير ،
وإنما فيه حجة على أنه يقصر في الثلاثة فما دونها .
والفريق الثاني احتجوا لمذهبهم بما روي : أنه أقام بمكة عام الفتح
مقصرا ، وذلك نحوا من خمسة عشر يوما في بعض الروايات ، وقد روي سبعة عشر
يوما وثمانية عشر يوما ، وتسعة عشر يوما .
رواه البخاري عن ابن عباس وبكل قال فريق .
والفريق الثالث احتجوا بمقامه في حجه بمكة مقصرا أربعة أيام وقد
احتجت المالكية لمذهبها : أن رسول الله ( ص ) جعل للمهاجر مقام ( ثلاثة
أيام بمكة مقاما ) بعد قضاء نسكه فدل هذا عندهم على أن إقامة ثلاثة أيام
ليست تسلب عن المقيم فيها اسم السفر ، وهي النكتةالتي ذهب الجميع إليها ،
وراموا استنباطها من فعله عليه الصلاة والسلام : أعني متى يرتفع عنه بقصد
الاقامة اسم السفر ، ولذلك اتفقوا على أنه إن كانت الاقامة مدة لا يرتفع
فيها عنه اسم السفر بحسب رأي واحد منهم في تلك المدة ، وعاقه عائق عن السفر
أنه يقصر أبدا ، وإن أقام ما شاء الله .
ومن راعى الزمان الاقل من مقامه تأول مقامه في الزمان الاكثر مما
ادعاه خصمه على هذه الجهة ، فقالت المالكية مثلا : إن الخمسة عشر يوما التي
أقامها عليه الصلاة والسلام عام الفتح إنما أقامها ، وهو أبدا ينوي أنه لا
يقيم أربعة أيام ، وهذا بعينه يلزمهم في الزمان الذي حدوه .
والاشبه في المجتهد في هذا أن يسلك أحد أمرين : إما أن يجعل الحكم
لاكثر الزمان الذي روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام فيه مقصرا ، ويجعل
ذلك حدا من جهة أن الاصل هو الاتمام فوجب ألا يزاد على هذا الزمان إلا
بدليل ، أو يقول : إن الاصل في هذا هو أقل الزمان الذي وقع عليه الاجماع ،
وما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام أقام مقصرا أكثر من ذلك الزمان ،
فيحتمل أن يكون أقامه لانه جائز للمسافر ، ويحتمل أن يكون أقامه بنية
الزمان الذي تجوز إقامته فيه مقصرا باتفاق ، فعرض له أن أقام أكثر من ذلك ،
وإذا كان الاحتمال ، وجب التمسك بالاصل ، وأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة ،
وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وروي عن الحسن البصري أن المسافر يقصر
أبدا إلا أن يقدم مصرا من الامصار ، وهذا بناء على أن اسم السفر واقع عليه
حتى يقدم مصرا من الامصار ، فهذه أمهات المسائل التي تتعلق بالقصر .
الفصل الثاني : في الجمع وأما الجمع ، فإنه يتعلق به ثلاث مسائل : إحداها : جوازه .
والثانية : في صفة الجمع .
والثالثة في مبيحات الجمع .
المسألة الاولى : أما جوازه فإنهم أجمعوا على أن الجمع بين الظهر
والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضا في
وقت العشاء سنة أيضا .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 137