من الماء , و النكتة فى استعمال هذه اللفظة هنا ان الرشوة بمنزلة الدلو المرسل
الى باطن القاضى لاستخراج ما فى سريرته الخبيثة من الحيف و الجور .
فلابد من طهارة الباطن و نزاهة الضمير حتى لا ينعطف نحو المال و لا ينقبض
بالقهر , و قد نهى القرآن عن هاتين الخصلتين بقوله :
( فلا تخشوا الناس و اخشون و لا تشتروا باياتى ثمنا قليلا)
. [1]
فان الاول ناظر الى النهى عن الخوف الباطل تعديلا للقوة الغضبية , و الثانى
ناظر الى النهى عن الجذب الكاذب تعديلا للقوة الشهوية , مع الالتفات الى ان
الدنيا باسرها متاع قليل , و القاضى الجائر لو أوتى الدنيا بحذافيرها تجاه ما
يجور فى الحكم , لكان قد اشترى بحكم الله ثمنا قليلا , لان الزائل قليلا مهما كان
كثيرا فى ظاهر الامر .
و لا اختصاص للرشوة المنهى عنها بالعين بل تشمل المنفعة و الانتفاع ايضا كما
انها قد تكون عملا خاصا ينجزه الراشى , او قولا يمدحه به و يثنى عليه , او فعلا ,
كاظهار تعظيمه و تبجيله مثلا , فهذه كلها محرمة , لصدق الرشوة عليها موضوعا , او
للالحاق بها حكما . [2]
و سنذكر فى ( ادب المتخاصمين ) ان البذل و الاخذ كلاهما حرام .
و مما مضى ظهر : لزوم تحفظ القاضى عن ان يصير خصيما للخائن , و هو اما بالجذب
الباطل او الدفع الكاذب , و يدل عليه قوله تعالى :
( انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله و لا تكن
للخائنين خصيما)
. [3]