فقد امر تعالى المؤمن ان يكون قواما بالقسط و هو اعظم من القيام بالقسط جدا ,
و امر ان تكون شهادته لله و لو على نفسه او الوالدين و الاقربين حتى لا يكون حبه
لنفسه او لاقاربه مانعا عن اقامة القسط او الشهادة لله , فلو لزم الاقرار على
نفسه
, اقر عليها , و لو كان اقامة الحق يستدعى الشهادة على اقاربه الادنين لم يمتنع
من الشهادة . و عند ذلك تكون شهوته عادلة و حبه فى الله و هو مجذوب الى الله ,
فلا يطمع فى شى ء لا يرضاه الله و لا يطمعه شى ء يكرهه الله و لا يرغب فى باطل و لا
يميل الى زائف , فلا يمكن السيطرة عليه من قبل شهوته و لا السلطة عليه من جهتها
و لا الأستيلاء عليه من طريقها .
الثالث : ما يدل على تعديل الغضب , كما فى قوله تعالى :
( يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنان قوم
على ان لا تعدلوا , اعدلوا هو اقرب للتقوى و اتقوا الله ان الله خبير بما
تعملون)
. [1]
امر تعالى فى هذه الاية المؤمن ان يكون قواما لله شاهدا بالقسط و هى كالاية
السابقة مشحونة بالعناية بالقسط و العدل , و نهى تعالى ايضا المؤمن ان يحمله
شنان قوم و عداوتهم على الاعتداء و ترك العدل و سيطرة البغض على القضاء .
و عليه فلابد على القاضى ان يتأدب باداب الله تعالى , بان يكون غضبه لله وحده
و لا يوجب بغضه لقوم الحكم الجائر , و اذا كان كذلك اعتدلت قوته الغضبية فلا
خوف له من غير الله و لا رهبة له من مخلوق , فلا يمكن السلطة عليه من ناحية
الغضب و لا إثارة غيضه .
فاذا بلغ الانسان هذا المبلغ من السيطرة على النفس و اتصف بالعلم