فهذا الكتاب القيم بما فيه من الاحكام و الحكم عينان نضاختان يشرب منهما من
له جنتان لانه ارتقى من حضيض الحيوة الدنيا الى اوج الحيوة الاخرى و منها الى ما
ورائها لان اهل الله لا يشتاق الى الجنة و ان تشتاق اليه كما انه لا يخاف من
النار و ان تخاف منه لانه قسيم الجنة و النار و يسجد له باذنه تعالى رضوان
الجنة و خازن النار و لذا لا يعبده تعالى شوقا الى النعمة و لا خوفا من النقمة بل
يعبده حبا له كما سيوافيك فارتقب البحث عن جنة اللقاء الموعودة لمن حج
البيت و زار به هناك و ام الكعبة و شاهد ربها هنالك طوبى له و حسن ماب .
و اما الامر الثانى و هو العبادة بظهرها و بطنها غاية الخلق المحتاج لا الخالق
الغنى المحض كما ان جميع ما فى حوزة الوجود الامكانى من الغيب و الشهادة بعضها
غاية للبعض و الله تعالى غاية للكل بالذات و لا غاية له تعالى وراء ذاته
المتعالية و هو تعالى الاخر كما هو الاول و هو الباطن كما هو الظاهر .
فبيانه هو ان كل فاعل يفعل فعلا لغرض يناله و غاية يطلبها فهو ناقص و كل ما
ليس بناقص فهو لا يفعل فعلا لغرض و غاية [2] 0
و حيث ان الخالق تعالى غنى عن العالمين فليس بناقص فلا يفعل فعلا لغرض ينحوه
و غاية يطلبها و الالزم ان يكون بذاته ناقصا و محتاجا و يصير بغيره كاملا و
مستغنيا و حاشا الغنى المحض عن الفاقة و سبحان الكامل الصرف عن النقص . و لا
ميز فى الغرض المنفى و الغاية المسلوبة