قد
وقع في الكتاب التحدّي بالإخبار عن الغيب في آيات متعدّدة، ونفس الإخبار بالغيب في
آيات كثيرة، ففي الحقيقة الآيات الواردة في هذا المجال على قسمين: قسم وقع فيها
التحدّي بنفس هذا العنوان، وهو الإخبار والإنباء بالغيب.
وقسم
وقع فيها مصاديق هذا بعنوان من دون الاقتران بالتحدّي.
وقبل
الورود في ذكر القسمين والتعرّض لمدلول النوعين لابدّ من التنبيه على أمرين: الأمر الأوّل: أ نّ المراد بالغيب في
هذا المقام هو ما لايدركه الإنسان ولا يناله من دون الاستعانة من الخارج، ولو أعمل
في طريق الوصول إليه جميع ما أعطاه اللَّه- تعالى- من القوى الظاهرة والباطنة، فهو
شيء بينه وبين الإنسان بنفسه حجاب، ولابدّ من الاستمداد من الغير في رفع ذلك
الحجاب، وكشف ذلك الستار.
وعليه:
فالحادثة الواقعة الماضية، والقضيّة الثابتة المتصرّمة تعدّ غيباً بالإضافة إلى
الإنسان؛ لأنّه لا يمكن له أن يطّلع عليها، ويصل إليها من طريق شيء من الحواسّ
والقوى، حتّى القوّة العاقلة المدركة؛ فإنّ وجود تلك الحادثة وعدمها بنظر العقل
سواء؛ لعدم كون حدوثها موجباً لانخرام شيء من القواعد العقليّة، كما هو المفروض،
ولا كون عدمها مستلزماً لذلك كذلك، وإلّا لا يكاد يمكن أن تتحقّق على الأوّل، أو
لا تتحقّق على الثاني.
كما
أنّه بناءً على ما ذكر في معنى الغيب في المقام لا يكون ما يدركه العقل السليم
والفطرة الصحيحة من الحقائق من الغيب بهذا المعنى الذي هو المقصود في المقام،
فوجود الصانع- جلّ وعلا- لا يعدّ من المغيبات هنا؛ لأنّ للعقل إليه طريقاً بل
طرقاً كثيرة، ولا حاجة له في الوصول إليه تعالى، والاعتقاد بوجوده إلى الاستمداد