ومن
الآيات التي يمكن أن يستدلّ بها على التحدّي بالعلم، قوله- تعالى-:
«وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتبٍ
مُّبِينٍ»[1] بناءً على كون المراد بالكتاب المبين
هو القرآن المجيد، وكون المراد بالرطب واليابس المنفيّين هو علم كلّ شيء بحيث
تكون الآية كناية عن الإحاطة العلميّة، والبيان الكامل الجامع، فيرجع المراد إلى
ما في الآية المتقدّمة من كون الكتاب جامعاً لعلم الأشياء، وحاوياً لبيان كلّ
شيء.
لكنّ
الظاهر أ نّه ليس المراد بالكتاب المبين هو القرآن، بل شيئاً آخر يكون فيه جميع
الموجودات والأشياء بأنفسها، ويؤيّده صدر الآية؛ وهو قوله- تعالى-:
«وَعِندَهُو مَفَاتِحُ الْغَيْبِ
لَايَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ»[2] وكذا تعلّق النفي بنفس الرطب واليابس الظاهرين في أنفسهما، لا في
العلم بهما، وكذا عدم اختصاص النفي بهما، بل تعلّقه بالحبّة التي في ظلمات الأرض؛
لأنّ الاستثناء يتعلّق به أيضاً، فلابدّ من الالتزام بكون المراد بها هو العلم
بالحبّة أيضاً، وهو خلاف الظاهر جدّاً.
وعليه:
يكون مفاد الآية أجنبيّاً عمّا نحن بصدده؛ لأنّ مرجعه إلى ثبوت الأشياء الموجودة
بأنفسها في الكتاب الذي هو بمنزلة الخزينة لها.
نعم،
يبقى الكلام في المراد من ذلك الكتاب، وأ نّه هل هو عبارة عن صفحة الوجود المشتملة
على أعيان جميع الموجودات، أو أمر آخر يغاير هذا الكون، ثابتة فيه الأشياء نوعاً
من الثبوت، كما يشير إليه قوله- تعالى-: «وَ إِن مّن
شَىْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآ ل نُهُو وَ مَا نُنَزّلُهُو إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ»؟[3].
وعلى
أيٍّ لا يرتبط بالمقام الذي يدور البحث فيه حول الكتاب بمعنى القرآن المجيد الذي
يكون معجزة.