ولكن
هذا الوجه مبنيّ على كون وجه التحدّي في الآية إرادة نوع خاصّ من الإعجاز، مع أنّه
لم يثبت بل الظاهر من الآية خلافه، فتدبّر جيّداً.
وقد
انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام: أ نّ اتّصاف القرآن بأنّه معجز ممّا يدلّ
عليه الآيات المشتملة على التحدّي، وأ نّ مقتضاها اتّصاف كلّ سورة من سوره بذلك من
دون فرق بين الطويلة والقصيرة، وأ مّا ما دون السورة فلم يظهر من شيء من هذه
الآيات الكريمة كونه كذلك، وأ مّا وجه الإعجاز، وأ نّ إعجازه عامّ ومن جميع
الجهات، أو خاصّ ومن بعض الجهات، فسيأتي
[1] التعرّض له إن شاء اللَّه تعالى.
القرآن
معجزة خالدة
من
الحقائق التي لا يشكّ فيها مسلم، بل كلّ من له أدنى مساس بعالم الأديان من
الباحثين والمطّلعين؛ أنّ الكتاب العزيز هو المعجزة الوحيدة الخالدة، والأثر الفرد
الباقي بعد النبوّة، ولابدّ من أن يكون كذلك؛ فإنّه بعد اتّصاف الدين الإسلامي
بالخلود والبقاء، وتلبّس الشريعة المحمّدية بلباس الخاتميّة والدوام، لا محيص من
أن يكون بحسب البقاء- إثباتاً- له برهان ودليل؛ فإنّ النبوّة والسفارة كما تحتاج
في أصل ثبوتها ابتداءً إلى الإعجاز، والإتيان بما يخرق العادة وناموس الطبيعة،
كذلك يفتقر في بقائها إلى ذلك، خصوصاً إذا كانت دائميّة باقية ببقاء الدهر.
ومن
المعلوم أنّ ما يصلح لهذا الشأن ليس إلّاالكتاب، ويدلّ هو بنفسه على ذلك في ضمن
آيات كثيرة: منها: قوله- تعالى-: «قُل لَّل- نِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَن
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْءَانِ لَايَأْتُونَ بِمِثْلِهِى وَ لَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا»[2].