أجبرهما الحاكم، و لو كان أحدهما باذلًا دون الآخر و لم
يمكن جبره كان للأوّل الحبس إلى أن يسلّم الآخر، هذا كلّه إذا لم يشترط في العقد
تأجيل التسليم في أحدهما، و إلّا كان هو المتبع.
هذا، و أمّا تسليم العمل، فإن كان مثل الصلاة و الصوم و الحجّ
و الزيارة و نحوها فبإتمامه، فقبله لا يستحقّ المؤجر المطالبة و بعده لا يجوز
للمستأجر المماطلة، إلّا أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الأُجرة فيتّبع، و
إلّا فلا يستحقّ حتّى لو لم يمكن له العمل إلّا بعد أخذ الأُجرة، كما في حجّ
الاستئجاري إذا كان المؤجر معسراً، و كذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في
داره أو نحو ذلك، فإنّ إتمام العمل تسليم و لا يحتاج إلى شيء آخر. و أمّا في مثل
الثوب الذي أعطاه ليخيطه، أو الكتاب الذي يكتبه، أو نحو ذلك ممّا كان العمل في
شيء بيد المؤجر، فهل يكفي إتمامه في التسليم، فبمجرّد الإتمام يستحقّ المطالبة،
أو لا إلّا بعد تسليم مورد العمل، فقبل أن يسلّم الثوب مثلًا لا يستحقّ مطالبة
الأُجرة؟ قولان.
أقواهما الأوّل؛ لأنّ المستأجر عليه نفس العمل و المفروض
أنّه قد حصل (1)، لا الصفة الحادثة في الثوب مثلًا؛ و هي المخيطيّة حتّى يقال:
إنّها في الثوب و تسليمها بتسليمه، و على ما ذكرنا فلو تلف الثوب مثلًا بعد تمام
الخياطة في يد (1) إن كان الملاك حصول المستأجر عليه و
تحقّقه في الخارج كما هو ظاهر العبارة فأيّ فرق بين ما إذا كان هو العمل أو الصفة
الحادثة في الثوب؛ لأنّه في كليهما قد تحقّق ما هو المستأجر عليه و إن لم يسلّم
الثوب، و إن كان الملاك تحقّق التسليم كما هو الظاهر، فكما أنّ تسليم الصفة بتسليم
الموصوف، كذلك تسليم العمل بتسليم مورده.
و بالجملة: الظاهر عدم الفرق بين الصورتين و لزوم تسليم
الثوب على كلا التقديرين، لكنّه لا بمعنى تقدّم استحقاق المستأجر على الأجير، بل
بمعنى توقّف استحقاق مطالبة الأُجرة على تسليم الثوب، كما أنّ استحقاق مطالبة
الثوب من طرف المستأجر يتوقّف على تسليم الأُجرة.