واحد بكونه ذا صلاح و فساد معاً لأجل انطباق عنوانين عليه:
أحدهما ذا مصلحة، و الآخر ذا مفسدة.
و بالجملة، فاتّصاف الشيء بكونه ذا مصلحة إنّما هو لكونه
مصداقاً للعنوان الذي يكون كذلك، و كذا اتّصافه بكونه ذا مفسدة، فإذا جاز أن يكون
شيء واحد مصداقاً لعنوانين متغايرين- كما هو المفروض- فلِمَ لا يجوز أن يتّصف
بالصلاح و الفساد معاً لأجل كونه مصداقاً لهما؟ فهل يشكّ العقل في صلاح حفظ ولد
المولى مثلًا من الهلكة في دار الغير؟ من حيث إنّه حفظ له و في فساده من حيث
التصرّف في مال الغير، و لا يجوز المدح من الحيثيّة الاولى، و الذمّ من الحيثيّة
الثانية.
و من هنا تظهر المناقشة فيما ذكرناه سابقاً: من عدم ترتّب صحّة الصلاة في الدار المغصوبة
على القول بجواز الاجتماع؛ لاستحالة أن يكون المبعّد مقرّباً.
بيانها: أنّ معنى البعد و القرب ليس هو البُعْد و القرب
المكاني حتّى يستحيل أن يكون المقرّب مبعّداً أو بالعكس، بل معناهما هو القرب و
البُعْد بحسب المكانة و المنزلة، و من المعلوم أنّ تحصيل المنزلة و القرب بساحة
المولى بسبب الإطاعة إنّما هو لكون الفعل الخارجي مصداقاً للعنوان الذي يكون
متعلّقاً لأمر المولى، كما أنّ حصول البُعْد عن ساحته إنّما هو للإتيان بالفعل
الذي يكون مصداقاً للعنوان المزجور عنه، و حينئذٍ فأيّ مانع يلزم من أن يكون فعل
واحد مقرّباً للعبد من حيث مصداقيّته للمأمور به، و مبعّداً له أيضاً من حيث تحقّق
العنوان المزجور عنه به، و حينئذٍ فلا يتمّ ما اشتهر في ألسن المتأخّرين من أنّ
المبعّد لا يمكن أن يكون مقرّباً.