responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 82

لواحد أو لكثيرين و هل يرجع إلى عرض أو إلى جوهر أو إلى جسم و تطلبه بالأدلة العقلية على ذلك دون الشرعية ما وجد لذلك دليلا عقليا أبدا و لا عرف بالعقل أن للأرواح بقاء و وجودا بعد الموت و كل ما اتخذوه دليلا في ذلك مدخول لا يقوم على ساق فما من مأخذ فيه إلا و هو ممكن و الممكن لا يقوم دليل عقلي على وجوب وجوده و لا وجوب عدمه إذ لو كان كذلك لاستحالت حقيقة إمكانه فما لنا إلا ما نص عليه الشرع فالعاقل يشغل نفسه بالنظر في الأوجب عليه لا يتعداه فإن المدة يسيرة و الأنفاس نفائس و ما مضى منها لا يعود

[إن اللّٰه إله واحد لا إله إلا هو]

فاعلم إن اللّٰه إله واحد لا إله إلا هو مسمى بالأسماء التي يفهم منها و من معانيها أنها لا تنبغي إلا له و لمن تكون له هذه المرتبة و لا تتعرض يا ولي للخوض في الماهية و الكمية و الكيفية فإن ذلك يخرجك عن الخوض فيما كلفته و ألزم طريقة الايمان و العمل بما فرض اللّٰه عليك وَ اذْكُرْ رَبَّكَ ... بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ بالذكر الذي شرعه لك من تهليل و تسبيح و تحميد و اتق اللّٰه فإذا شاء الحق أن يعرفك بما شاءه من علمه فاحضر عقلك و لبك لقبول ما يعطيك و يهبك من العلم به فذلك هو النافع و هو النور الذي يحيي به قلبك و تمشي به في عالمك و تأمن فيه من ظلم الشبه و الشكوك التي تطرأ في العلوم التي تنتجها الأفكار فإن النور هو النفور فالنور منفر الظلم في المحل الذي يظهر فيه فلو كان هذا العلم الذي أغطاه التفكر في اللّٰه نورا كما يزعم ما طرأ على المحل ظلمة شبهة و لا ظلمة تشكيك أصلا و قد طرأت و الظلمة ليس من شأنها أن تنفر النور و لا لها سلطان عليه و إنما السلطان للنور المنفر الظلم فدل ذلك على إن علوم المتكلمين في ذات اللّٰه و الخائضين فيه ليست أنوارا و هم يتخيلون قبل ورود الشبهة أنهم في نور و على بينة من ربهم في ذلك فلا يبدو لهم نقصهم حتى ترد عليهم الشبهة و ما يدريك لعل تلك الشبهة التي يزعمون أنها شبهة هي الحق و العلم فإنك تعلم قطعا إن دليل الأشعري في إثبات المسألة التي ينفيها المعتزلي هو الحق و أنه شبهة عند المعتزلي و دليل المعتزلي الذي ينفي به ما يثبته الأشعري شبهة عند الأشعري ثم إنه ما من مذهب إلا و له أئمة يقومون به و هم فيه مختلفون و إن اتصفوا جميعهم مثلا بالأشاعرة فيذهب أبو المعالي خلاف ما ذهب إليه القاضي و يذهب القاضي إلى مذهب يخالف فيه الأستاذ و يذهب الأستاذ إلى مذهب في مسألة يخالف فيه الشيخ و الكل يدعي أنه أشعري و كذلك المعتزلة و كذلك الفلاسفة في مقالاتهم في اللّٰه و فيما ينبغي أن يعتقد وَ لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ مع كون كل طائفة يجمعها مقام واحد و اسم واحد و هم مختلفون في أصول ذلك المذهب الذي جمعهم فإن الفروع لا تعتبر و رأينا المسلمين رسلا و أنبياء قديما و حديثا من آدم إلى محمد و من بينهما عليهم الصلاة و السلام ما رأينا أحدا منهم قط اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب اللّٰه بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا و لا سمعنا عن أحد منهم إنه طرأ عليه في معتقده و علمه بربه شبهة قط فانفصل عنها بدليل و لو كان لنقل و دون و نطقت به الكتب كما نقل سائر ما تكلم فيه من ذلك ممن تكلم فيه و لا سيما و الأنبياء تحكمت في العامة في أنفسها و أموالها و أهليها و حجرت و أباحت و أوجبت و لم يكن لغيرها هذه القوة من التحكم فكانت الدواعي تتوفر على نقل ما اختلفوا فيه في جانب الحق لأنهم ينتمون إليه و يقولون إنه أرسلهم و أتوا بالدلائل على ذلك من المعجزات و لا نقل عن أحد منهم إنه طرأت عليه شبهة في علمه بربه و لا اختلف واحد منهم على الآخر في ذلك و كذلك أهل الكشف المتقون من أتباع الرسل ما اختلفوا في اللّٰه أي في علمهم به و لا نقل عن أحد منهم ما يخالف به الآخر فيه من حيث كشفه و إخباره لا من حيث فكره فإن ذلك يدخل مع أهل الأفكار فهذا مما يدلك على إن علومهم كانت أنوارا لم تتمكن لشبهة إن تتعرض إليهم جملة واحدة فقد علمت إن النور إنما اختص بأهل النور و هم الأنبياء و الرسل و من سلك على ما شرعوه و لم يتعد حدود ما قرروه و اتقوا اللّٰه و لزموا الأدب مع اللّٰه فهم على نور من ربهم نُورٌ عَلىٰ نُورٍ وَ لَوْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاٰفاً كَثِيراً يعني في نعت الحق و ما يجب له فإن الناظر بفكره في معتقده لا يبقى على حالة واحدة دائما بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليله في زعمه في وقته فيخرج من أمر إلى نقيضه و قد دللتك يا أخي على طريق العلم النافع من أين يحصل لك فإن سلكت على صراطه المستقيم

[إن لله عبد قد اعتنى به و اصطنعه لنفسه]

فاعلم إن اللّٰه قد أخذ بيدك و اعتنى بك و اصطنعك لنفسه فالله يحول بيننا و بين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه و قد بان لك بما ذكرناه أنه ما دخل عليهم ما دخل إلا من الفضول و لهذا وقع الخلاف و لعبت بهم الأفكار و الأهواء أ لا ترى الأمر الذي أباح لهم الشارع أن

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 82
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست