responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 83

يطلبوا علمه ما اختلف فيه اثنان منهم فلو طلب منهم غير ذلك مما اختلفوا فيه ما اختلفوا أيضا فيه فدل ذلك على أنه ما طلب الحق منهم ذلك فإن قلت فما هو الذي اتفقوا فيه قلنا اجتمعت الأدلة العقلية من كل طائفة بل من ضرورات العقول أن لهم موجدا أوجدهم يستندون إليه في وجودهم و هو غني عنهم ما اختلف في ذلك اثنان و هو الذي طلب الحق من عباده إثبات وجوده فلو وقفوا هنا حتى يكون الحق هو الذي يعرفهم على لسان رسوله بما ينبغي أن يضاف إليه و يسمى به أفلحوا و إنما الإنسان خلق عجولا : و رأى في نفسه قوة فكرية فتصرف بها في غير محلها فتكلم في اللّٰه بحسب ما أعطاه نظره و الأمزجة مختلفة و القوة المفكرة متولدة من المزاج فيختلف نظرها باختلاف مزاجها فيختلف إدراكها و حكمها فيما أدركته فالله يرشدنا و يجعلنا ممن جعل الحق إمامه و التزم ما شرع له و مشى عليه أنه المليء بذلك لا رب غيره

[أن اللّٰه ما بعث الرسل سدى]

فاعلم يا ولي أن اللّٰه ما بعث الرسل سدى و لو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل و كان وجود الرسل عبثا و لكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا و لا نشبهه و لو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام أنه ليس مثلنا و لا تجمعنا حقيقة واحدة فبالضرورة يجهل الإنسان ما له و إلى أين ينتقل و ما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه لأنه يجهل علم اللّٰه فيه لا يعرف ما يريد به و لا لما ذا خلقه تعالى فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك فلو شاء تعالى عرف كل شخص بأسباب سعادته و أبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها و لكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها قدمه عليها و أمرها باتباعه و الدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ثم أيده بالبينة و الآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها و إنما قلنا من جنسها لأنه كذا وقع الأمر قال تعالى وَ لَوْ جَعَلْنٰاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنٰاهُ رَجُلاً أي لو كان الرسول للبشر ملكا لنزل في صورة رجل حتى لا يعرفوا أنه ملك فإن الحسد على المرتبة إنما يقع بين الجنس و قال تعالى لَوْ كٰانَ فِي الْأَرْضِ مَلاٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنٰا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ مَلَكاً رَسُولاً و لنا في ذلك

خليفة القوم من أبناء جنسهم لأن ذلك أنكى في نفوسهم
لو لم يكن منهم لصدقوه و لم يقم بهم حسد لغير جنسهم
قد علم الإنسان أن البهائم و جميع الحيوانات دونه في المرتبة فلو تكلم حيوان و لو كان خنفساء و نطقت و قالت أنا رسول من اللّٰه إليكم احذروا من كذا و افعلوا كذا لتوفرت الدواعي من العامة على اتباعها و التبرك بها و تعظيمها و انقادت لها الملوك و لم يطلبوها بآية على صدقها و جعلوا نطقها نفس الآية على صدقها و إن كان الأمر ليس كذلك و إنما لما نال المرتبة غير الجنس لم يقم بهم حسد لغير الجنس فأول ابتلاء ابتلى اللّٰه به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم و مع الدلالات التي نصبها لهم على صدقهم و استيقنوها حملهم سلطان الحسد الغالب عليهم إن يجحدوا ما هم به عالمون موقنون ظلما و علوا قال تعالى وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً أي ظلموا بذلك أنفسهم وَ عُلُوًّا على من أرسل إليهم فاندرج في ذلك علوهم على اللّٰه و لو قلت له يا فلان كيف تتكبر على من خلقك لاستعاذ من ذلك و قال إن هذا الذي يزعم أنه من عند اللّٰه يكذب على اللّٰه حاشا اللّٰه أن يبعث مثل هذا إلينا لَوْ لاٰ نُزِّلَ هٰذَا الْقُرْآنُ عَلىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فإن قيل له فقد جاء بالعلامة على أنه رسول من اللّٰه إليكم فيقول أ لست تعلم أن السحر حق هذه الآية من ذلك القبيل هذا مع العامة و أما مع العلماء و الخواص مثل الحكماء و غيرهم فإذا قيل لهم أ لستم ترون هذه الآيات الدالة على صدق ما يدعيه فأما العالمون بالنفوس و قواها فيجيبون عن ذلك بأن يقولوا قد علمنا إن القوي النفسانية تبلغ أن يتأثر لها أجرام العالم فهذا من ذلك القبيل و يحتج بصاحب العين و بعلم الزجر و أمثال ذلك مما يشبه هذا الفن و أما إن كان عنده علم بمجاري الكواكب و يرى قواها و سيران ذلك في العالم العنصري على مقادير مخصوصة يقول إن الطالع أعطاه ذلك و إن روحانية الكواكب تمده و إنه بهذا الطالع في مسقط النطفة شرفت عنه و أعطته هذه القوي نفسا شريفة و نال بها المراتب العلية في الإلهيات و الذي قال به صحيح فإن اللّٰه أودع هذا كله في العالم العلوي حين خلقه ابتلاء

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست