responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 553

فَنِعْمَ أَجْرُ الْعٰامِلِينَ و لا تقنع بعفو اللّٰه فتكون ممن نسي اللّٰه بل ارغب في إحسانه بأن يزيدك هنا عملا و مراقبة فيزيدك عنده جاها و حرمة و أما قوله تعالى ناهيا إيانا بقوله وَ لاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّٰهَ فَأَنْسٰاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ فأعاد الضمير عليهم فهذا نمط آخر ذكرنا حقيقته في مسألة شرف النفاق و هو النفاق المحمود في المنازل فيما عبر من هذا الكتاب فلنذكر منه ما يليق بهذا الموضع من أجل النسيان و ذلك

أن اللّٰه قال على لسان رسول اللّٰه ص من عرف نفسه عرف ربه لما جعلنا دليلا عليه و لا ينبغي أن ننظر في معرفة نفوسنا إلا حتى نريد أن نعرف ربنا فإذا نسينا هذه المعرف فقد نسينا معرفة نفوسنا و هو الباب الواحد الذي كان ينبغي لنا أن نخرج عليه إلى هذه المعرفة فخرجنا على الباب الآخر و هو الذي نخرج منه إلى جهلنا بنفوسنا و لما خلقنا اللّٰه على الصورة الإلهية كان في نسياننا اللّٰه إن إنسانا اللّٰه أنفسنا فنهينا عن ذلك فإنه من نسي نفسه بالضرورة نسي ما لله عليها من الحقوق و ما لها من الحقوق فتركوا اللّٰه إذا علموا أنهم لا يشهدون من اللّٰه ما هو اللّٰه عليه و إنما يشهدون من اللّٰه أعيانهم و أحوالهم لا غير فلما علم اللّٰه هذا من بعض عباده الذين لهم هذا الوصف أنساهم أنفسهم فلم يروا عند شهودهم أن أحوالهم عين ما رأوا فيقولون في ذلك الشهود قال لي اللّٰه و قلت له و أين هذا من مقام قولهم لا نرى من الحق إلا ما نحن عليه فلم يكن لهم ذلك إلا من كونه تعالى أنساهم أنفسهم ف‌ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ الخارجون عن طريق ما كانوا تحققوا به من أن اللّٰه لا يشهده أحدا لا من حيث حاله و ما هو عليه و لما وصف نفسه تعالى بأنه خَيْرُ الرّٰاحِمِينَ من باب المفاضلة فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه فهي تعالى رحمته لا رحمتهم ظهرت في صورة مخلوق كما قال في سمع اللّٰه لمن حمده إن ذلك القول هو قول اللّٰه على لسان عبده فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول اللّٰه و كذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق فتعين التفاضل و الأفضلية بالمحال إلا إن رحمة اللّٰه بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة فإنه يرحم عن ذوق فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم و الحق ليس كذلك فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم فهو خير الراحمين فرحمة المخلوق عن شفقة و رحمة اللّٰه مطلقة بخلاف بطشه و انتقامه مع شدته و لكن لا يبطش بطشا لا يكون فيه رحمة لأن قصارى الرحمة فيه إيجاده البطش بعبده فوجود البطش رحمة رحم اللّٰه بها المبطوش إذ أخرجه من العدم إلى الوجود و من كان مخلوقا من صفة الرحمة فلا بد أن يكون في بطشه رحمة فجاء أبو يزيد في هذا المقام لما سمع القارئ يقرأ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ قال أبو يزيد بطشي أشد لأن بطش الإنسان إذا بطش لا يكون في بطشه شيء من الرحمة لأنه لا يتمكن له أن يبطش بأحد و عنده رحمة به جملة واحدة فما يكون ذلك البطش إلا بحسب ما أعطاه محل الباطش و إن كان ذلك البطش خلقا لله و لكن ما خلقه إلا في هذا المحل فظهر بصورة المحل و المحل لا يطلب الانتقام من أحد و في قلبه رحمة ثم إن اللّٰه إذا بطش بعبده ففي بطشه نوع رحمة لأنه عبده بلا شك كما إن المخلوق إذا أراد أن يبطش بعبده لا بد أن يشوب بطشه نوع رحمة للمناسبة التي بينه و بين عبده و مملوكه لأنه المبقي عليه اسم المالك و السيادة فلا يمكن أن يستقصي في بطشه ما يذهب عينه فيكون عند ذلك قد بطش بنفسه و المخلوق ليس كذلك في الأجنبي الذي ليس بينه و بين الباطش نسبة عبودية و لا اكتسب من وجوده صفة سيادة فإذا بطش من هذه صفته بطش ببطش لا تشوبه رحمة فهو سبحانه خَيْرُ الرّٰاحِمِينَ و ما جاء قط عنه تعالى أنه خير الآخذين و لا الباطشين و لا المنتقمين و لا المعذبين كما جاء خَيْرُ الْفٰاصِلِينَ و خَيْرُ الْغٰافِرِينَ و خَيْرُ الرّٰاحِمِينَ و خير الشاكرين و أمثال هذا مع كونه يبطش و ينتقم و يأخذ و يهلك و يعذب لا بطريق الأفضلية فتحقق هذا الفاصل بين وصفه بالأخذ و الانتقام و بين وصفه بالرحمة و المغفرة وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

«الباب الثالث و التسعون و ثلاثمائة في معرفة منازلة من وقف عند ما رأى ما هنا له هلك»



الخلق تقدير و ليس بكائن و المبدعات هي التي تتكون
الروح و الكلمات شيء واحد و الحق فيه هو الذي يتعين

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 553
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست