responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 554



فالعالم النحرير ليس بثابت في حاله فمقامه يتلون
فلذاك أعطى كل شيء خلقه و هذا كم لكلامه فتبينوا
لو لم يكن عين الكلام وجودنا لم نغتنمه فلم تلذ الأعين
بفنون أسماء الإله قلوبنا و توجهات الحق بي تتفنن
فجميع ما جئنا به إن كنت ذا فهم و تحقيق به تتيقن

[أن اللّٰه تعالى سوى النشأة الإنسانية]

اعلم أيدنا اللّٰه و إياك أن اللّٰه تعالى لما سوى النشأة الإنسانية بل جميع ما أنشأه من أجسام العالم الطبيعية و العنصرية و عدلها على الترتيب الذي تقتضيه الحكمة في كل جسم و عدله و هياه لقبول ما يريد أن يهبه في نفخه فيه من الروح الإلهي نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ فظهر فيه عند ذلك نفس مدبرة لذلك الهيكل و ظهرت بصورة مزاج الهيكل فتفاضلت النفوس كما تفاضلت الأمزجة كما يضرب نور الشمس في الألوان المختلفة التي في الزجاج فتعطي أنوارا مختلفة الألوان من أحمر و أصفر و أزرق و غير ذلك بحسب لون الزجاج في رأى العين فلم يكن ذلك الاختلاف في النور الذي حدث فيه إلا من المحل و لا تعين في نفسه جزءا عن غيره إلا بالمحل فالمحل عينه و المحل غيره كذلك النفوس المدبرة للهياكل الطبيعية و العنصرية فللنفوس الأثر في الهياكل بحكم التدبير و لا تقبل من التدبير فيها من هذه النفوس إلا بقدر استعدادها و للهياكل أثر في النفوس بحسب أمزجتها في أصل ظهورها عند تعيينها فمنهم الذكي و البليد بحسب مزاج الهيكل فالأمر عجيب بينهما فكل واحد منهما مؤثر فيمن هو مؤثر فيه ثم إن اللّٰه أخذ بأكثر أبصار جنس الإنس و الجان عن إدراك النفوس المدبرة الناطقة التي للمسمى جمادا و نباتا و حيوانا و كشف لبعض الناس عن ذلك و الدليل السمعي على ما قلناه قول اللّٰه وَ إِنَّ مِنْهٰا يعني من الحجارة لَمٰا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِ فوصفها بالخشية و أما أمثالنا فلا يحتاج إلى خبر في ذلك فإن اللّٰه قد كشفها لنا عينا و أسمعنا تسبيحها و نطقها لله الحمد على ذلك و كذلك اندكاك الجبل لتجلى الرب له لو لا العظمة التي في نفس الجبل من ربه لما تدكدك لتجليه له فإن الذوات لا تؤثر في أمثالها و إنما يؤثر في الأشياء قدرها و منزلتها في نفس المؤثر فيه فعلمه بقدر ذلك المتجلي أثر فيه ما أثر فيه ما ظهر له فإنا نرى الملك إذا دخل في صورة العامة و مشى في السوق بين الناس و هم لا يعرفون أنه الملك لم يقم له وزن في نفوسهم فإذا لقيه في تلك الحالة من يعرفه قامت بنفسه عظمته و قدره فأثر فيه علمه به فاحترمه و تأدب و سجد له فإذا رأى الناس الذين يعرفون قرب ذلك العالم من الملك و أن منزلته لا تعطي أن يظهر منه مثل هذا الفعل إلا مع الملك علموا أنه الملك فحادت إليه الأبصار و خشعت الأصوات و أوسعوا له و تبادر و الرؤيته و احترامه فهل أثر ذلك عندهم إلا ما قام بهم من العلم به فما احترموه لصورته فقد كانت صورته مشهودة لهم و ما علموا أنه الملك و كونه ملكا ليس عين صورته و إنما هي رتبة نسبية أعطته التحكم في العالم الذي تحت بيعته

ورد في الخبر الذي خرجه أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوة في بعض إسراءات رسول اللّٰه ص أنه قال جاءه جبريل ع ليلة و معه شجرة فيها كوكرى الطائر فقعد رسول اللّٰه ص في الوكر الواحد و قعد جبريل ع في الوكر الآخر ثم إن الشجرة علت بهما حتى بلغا السماء فتدلى إليهما رفرف در و ياقوت فأما محمد ص فلم يعلم ما هو فلم يؤثر فيه و أما جبريل ع عند ما رآه غشى عليه فقال ص فعلمت فضله علي في العلم فإنه علم ما رأى فأثر فيه علمه بما رآه الغشي و لم يعلمه رسول اللّٰه ص فلم ير له أثر فيه فلا يؤثر في الأشياء إلا ما قام بها و ليس إلا العلم أ لا ترى شخصان يقرءان القرآن فيخشع أحدهما و يبكي و الآخر ما عنده من ذلك كله خبر و لا يؤثر فيه هل ذلك إلا من أثر علمه القائم به لما تدل عليه تلك الآية و شهوده ما تضمنته من الأمر الذي أبكاه و خشع له و الآخر أعمى عن تلك المعاني لا يجاوز القرآن حنجرته و لا أثر لتلاوته فيه فلم يكن الأثر لصورة لفظ الآية و إنما الأثر لما قام بنفس العالم بها المشاهد ما نزلت له تلك الآية فلا يؤثر فيك إلا ما قام بك من حيث ما تعلم و تشهد فلو لا علمه بالأمر ما هاله و إذا لم يرتحل و وقف عند ما رآه و قد هاله ذلك فبالضرورة يهلك أي يغيب عن صوابه و حسه و يدهش أو يغشى عليه أو يموت فرقا منه على قدر قوة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 554
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست