responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 552

أحاطت به رحمة اللّٰه من جميع جهاته فاعلم ذلك و إذا صحت الحقائق فليقل الأخرق ما شاء فإن جماعة نازعونا في ذلك و لو لا إن رحمة اللّٰه بهذه المثابة من الشمول لكان القائلون بمثل هذا لا ينالهم رحمة اللّٰه أبدا فالله أسأله أن لا يلحقنا بالجاهلين فإنه ما ثم صفة و لا عتوبة أقبح من الجهل فإن الجهل مفتاح كل شر و لهذا قال لمحمد ص فَلاٰ تَكُونَنَّ مِنَ الْجٰاهِلِينَ خاطبه بمثل هذا الخطاب لحداثة سنه و قوة شبابه فقابله بخطاب قوي في النهي عن ذلك و قال تعالى لنوح ع لما لم يكن له قوة الشباب و كان قد شاخ و حصل في العمر الذي لا يزال فيه محترما مرفوقا به في العرف و العادة إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجٰاهِلِينَ فرفق به في الخطاب حين وعظه فإنه لا بد من الفرق بين خطاب الشباب و خطاب الشيوخ كما أنه لا بد من الفرق في الخطاب بين الأحوال كما نفرق نحن في الثناء على اللّٰه بالأحوال فنقول في خطاب السراء الحمد لله المنعم المفضل و نقول في الضراء الحمد لله على كل حال لاختلاف الباعث على الحمد علمنا ذلك رسول اللّٰه ص بفعله فأما الرحماء من عباد اللّٰه بعباد اللّٰه بل بخلق اللّٰه مطلقا فإن اللّٰه يسرع إليهم بالرحمة عند ما يلقونه إذا رحموا الخلق لرحمة تقوم بنفوسهم بعطفهم على خلق اللّٰه فيرحمهم اللّٰه

فإنها أعمالهم ترد عليهم كما ورد في الخبر فبرحمتهم رحمهم اللّٰه سبحانه

فلا تحالف و لا تشاقق و كن صدوقا و لا تفارق
فمن رحم خلق اللّٰه فإنما رحم نفسه ثم إن لله رحمة أخرى بهم زائدة على ما رحمهم به من أجل رحمتهم بخلق اللّٰه التي هي من أعمالهم و صورتها إن الراحم منا إذا رحم خلقا من خلق اللّٰه فلا يخلو إما أن تكون رحمته به إزالة ما يؤلم ذلك الخلق المرحوم خاصة أو يزيده مع ذلك إحسانا مثل من يخرج شخصا من السجن استحق العذاب و حال بينه و بين نزول العذاب به بشفاعة منه أو يكون هو الآخذ له ثم يعقبه بعد هذا الأمان إحسانا إليه بتولية أو مال أو خلع أو تقريب فذلك أمر آخر فإذا رحم اللّٰه عبدا بعلمه الذي رحم العبد به حيوانا مثله إما بإزالة عذاب أو أضاف إلى ذلك زيادة إحسان فإن اللّٰه إذا وفاه رحمة جزاء عمله كان ما كان فإن اللّٰه يزيده على ذلك كما زاد هذا العبد على ما ذكرنا أو يزيد ابتداء منة منه تعالى لذلك

قال الراحمون يرحمهم الرحمن و لم يقل يرحمهم الرحيم لأنه رحمن الدنيا و الآخرة و الرحيم اختصاص الرحمة بالآخرة و أما

قوله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء لأنكم تشاهدون أصحاب البلايا و الزوايا و تتجاوزون عنهم فترحمونهم عن أمر اللّٰه بالرحمة التي تطلبها أحوالهم كل على حسب حاله يرحم و ليس في السماء إلا الملائكة فترحمنا بالاستغفار و هو قوله تعالى وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ثم قال أَلاٰ إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ و أما قوله في هذا الباب و نسيناه في هذه المنازلة فهو حد نسيان ذلك الإنسان اللّٰه في الأشياء فما عاد عليه إلا نسيانه و أضافه الحق إليه فقال نَسُوا اللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ أي تركوا حق اللّٰه فترك اللّٰه الحق الذي يستحقونه بأجرامهم فلم يؤاخذهم و لا آخذهم أخذ الأبد فغفر لهم و رحمهم و هذا يخالف ما فهمه علماء الرسوم فإنه من باب الإشارة لا من باب التفسير لأن الناسي هنا إذا لم ينسب إلا حق اللّٰه الذي أمره اللّٰه بإتيانه شرعا فقد نسي اللّٰه فإنه ما شرعه له إلا اللّٰه فترك حق اللّٰه فأظهر اللّٰه كرمه فيه فترك حقه و لم يكن حق مثل هذا إلا ما يستحقه و هو العقاب فعفا عنه تركا بترك مقولا بلفظ النسيان و أما نهيه تعالى إيانا أن نكون كَالَّذِينَ نَسُوا اللّٰهَ فنسيهم فهو صحيح فإنها وصية إلهية نهانا أن ننسى اللّٰه مثل ما نسوة هؤلاء لنقوم بحق اللّٰه و نقيم حق اللّٰه في الأشياء على نية صالحة و حضور مع اللّٰه فيجازينا اللّٰه جزاء استحقاق استحققناه بأعمالنا التي وفقنا اللّٰه لها و الذين نسوا اللّٰه إنما ترك اللّٰه ما استحقوه من العقاب كما تركوا حق اللّٰه لا غير ثم إن أفضل عليهم أفضل عليهم منة منه ابتداء و إفضاله على العالمين المؤدين حقوق اللّٰه ليس منة فإذا زاد على ما يطلبه عملهم ذلك هو الامتنان كما نالوا ما استحقوا به هذا الثواب من طريق المنة فاعلم ذلك ألا ترى اللّٰه يقول في تمام هذه الآية لما قال و لا تكونوا كالذين نَسُوا اللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ لم يقل إنهم هم الفاسقون بل قال إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ فابتدأ كلاما آخر ما فيه ضمير يعود على هؤلاء المذكورين و كل منافق فاسق لأنه خارج من كل باب له فيخرج للمؤمنين بصورة ما هم عليه و يخرج للكافرين بصورة ما هم عليه و قد تقدم في هذا الكتاب مرتبة المنافقين في المنازل فتنبه لما نبهتك عليه و كن من العالمين اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ ...

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 552
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست