responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 55

شأن عن شأن و لكن قد وصف نفسه بأنه لا يفعل أمرا حتى يفرغ من أمر آخر فقال سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاٰنِ فمن هذه الحقيقة قيل له قف إن ربك يصلي أي لا يجمع بين شغلين يريد بذلك العناية بمحمد ص حيث يقيمه في مقام التفرغ له فهو تنبيه على العناية به و اللّٰه أجل و أعلى في نفوس العارفين به من ذلك فإن الذي ينال الإنسان من المتفرغ إليه أعظم و أمكن من الذي يناله ممن ليس له حال التفرغ إليه لأن تلك الأمور تجذبه عنه فهذا في حال النبي ع و تشريفه فكان معه في هذا المقام بمنزلة ملك استدعى بعض عبيده ليقربه و يشرفه فلما دخل حضرته و قعد في منزلته طلب أن ينظر إلى الملك في الأمر الذي وجه إليه فيه فقيل له تربص قليلا فإن الملك في خلوته يعزل لك خلعة تشريف يخلعها عليك فما كان شغله عنه إلا به و لذلك فسر له صلاة اللّٰه بقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ فشرف بأن قيل له إنما غاب عنك من أجلك و في حقك فلما أدناه تدلى إليه فَأَوْحىٰ إِلىٰ عَبْدِهِ مٰا أَوْحىٰ مٰا كَذَبَ الْفُؤٰادُ مٰا رَأىٰ العين أي تجلى له في صورة علمه به فلذلك أنس بمشاهدة من علمه فكان شهود تأنيس في ذلك المقام فقد علمت مما أبنته لك معارج الرسل من معارج الملائكة صلوات اللّٰه على الجميع فلهذا المعراج خطاب خاص تعطيه خاصية هذا المعراج لا يكون إلا للرسل فلو عرج عليه الولي لأعطاه هذا المعراج بخاصيته ما عنده و خاصيته ما تنفرد به الرسالة فكان الولي إذا عرج به فيه يكون رسولا و قد أخبر رسول اللّٰه ص أن باب الرسالة و النبوة قد أغلق فتبين لك أن هذا المعراج لا سبيل للولي إليه البتة أ لا ترى النبي ص في هذا المعراج قد فرضت عليه و على أمته خمسون صلاة فهو معراج تشريع و ليس للولي ذلك

فلما رجع إلى موسى ع قال له راجع ربك يخفف عن أمتك الحديث إلى أن صارت خمسة بالفعل و بقيت خمسين في الأجر و المنزلة عند اللّٰه و الحديث صحيح في ذلك و فيه طول

[أن معارج الأولياء بالهمم]

و اعلم أن معارج الأولياء بالهمم و شاركهم الأنبياء في هذا المعراج من كونهم أولياء لا من كونهم أنبياء و لا رسلا فيعرج الولي بهمته و بصيرته على براق عمله و رفرف صدقه معراجا معنويا يناله فيه ما يعطيه خواص الهمم من مراتب الولاية و التشريف فهي ثلاثة معارج متجاورة مختلفة و المعراج الرابع معراج توجهات الأسماء عليهم فتفيض الأسماء الإلهية أنوارها على معارج الملائكة و لكن من أنوار التكاليف و الشرائع التي هي الأعمال المقربة إلى السعادة خاصة هذا الذي أريده في هذا الموضع للفرقان بين المعارج فتسطع معارج الملك بذلك النور فينصبغ به الملك كما تنصبغ الحرباء بالمحل الذي تكون فيه ثم يفيض الملك على الرسول أي على معراجه فينصبغ به الرسول في باطنه من حيث روحانيته و هو

قوله ع فاعى ما يقول ثم يفيضه الرسول على أتباعه متنوعا خلاف ما أعطاه الملك فإن الملك إنما يخاطب واحدا و الرسول يخاطب الأمة و الأمة تختلف أحوالها فلا بد للرسول أن يقسم ذلك الوحي على قدر اختلاف الأمة فإنه رزق مقسوم فيتعين لكل ولي قسطه من ذلك الوحي لنفسه ثم يأخذ منه مما لا يقتضيه حاله ليوصله إلى التابع بعده الذي لم يحضر ذلك المجلس و هكذا إلى يوم القيامة و هم الورثة في التبليغ فيعمل على حاله خاصة و يبلغ ما لا يقتضيه حاله فقد تقتضي حاله تحليل ما حرمه على غيره فيكون مضطرا إلى الغذاء في وقت تحريم أكل الميتة على غير المضطر و هو في تلك الحال من التبليغ يأكل الميتة على شهود من المبلغ إليه فيقول له كيف تحرم على تناول ما تناولته أنت فيقول له لأن الحال مختلف فإن حالة الاضطرار لم تحرم عليها الميتة و حالة غير الاضطرار حرمت عليها الميتة فيبلغ ما لا يقتضيه حاله و لا يعمل إلا بما يقتضيه حاله ثم لتعلم إذا رقيت الأولياء في معارج الهمم فغاية وصولها إلى الأسماء الإلهية فإن الأسماء الإلهية تطلبها فإذا وصلت إليها في معارجها أفاضت عليها من العلوم و أنوارها على قدر الاستعداد الذي جاءت به فلا تقبل منها إلا على قدر استعدادها و لا تفتقر في ذلك إلى ملك و لا رسول فإنها ليست علوم تشريع و إنما هي أنوار فهوم فيما أتى به هذا الرسول في وحيه أو في الكتاب الذي نزل عليه أو الصحيفة لا غير و سواء علم ذلك الكتاب أو لم يعلمه و لا سمع بما فيه من التفاصيل و لكن لا يخرج علم هذا الولي عن الذي جاء ذلك الرسول به من الوحي عن اللّٰه و كتابه و صحيفته لا بد من ذلك لكل ولي صديق برسوله إلا هذه الأمة فإن لهم من حيث صديقيتهم بكل رسول و نبي العلم و الفتح و الفيض الإلهي بكل ما يقتضيه وحي كل نبي و صفته و كتابه و صحيفته و بهذا فضلت على كل أمة من الأولياء

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست