responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 54

التي هم عليها الملائكة المعبر عنها بالأجنحة كما قال عز و جل جٰاعِلِ الْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ و

قد صح في الخبر أن جبريل له ستمائة جناح فهذه القوة الروحانية ليس لها في كل ملك تصرف فيما فوق مقام صاحبها مثل الطائر عندنا الذي يهوى سفلا و يصعد علوا و أجنحة الملائكة إنما تنزل بها إلى من هو دونها و ليس لها قوة تصعد بها فوق مقامها فإذا نزلت بها من مقامها إلى ما هو دونه رجعت علوا من ذلك الذي نزلت إليه إلى مقامها لا تتعداه فما أعطيت الأجنحة إلا من أجل النزول كما إن الطائر ما أعطى الجناح إلا من أجل الصعود فإذا نزل نزل بطبعه و إذا علا علا بجناحه و الملك على خلاف ذلك إذا نزل نزل بجناحه و إذا علا علا بطبعه و أجنحة الملائكة للنزول إلى ما دون مقامها و الطائر جناحه للعلو إلى ما فوق مقامه و ذلك ليعرف كل موجود عجزه و إنه لا يتمكن له أن يتصرف بأكثر من طاقته التي أعطاه اللّٰه إياها فالكل تحت ذل الحصر و التقييد و العجز لينفرد جلال اللّٰه بالكمال في الإطلاق لا إله إلا هو العلي الكبير فإذا تقرر هذا

[إن للملائكة مدارج و معارج يعرجون عليها]

فاعلم إن للملائكة مدارج و معارج يعرجون عليها و لا يعرج من الملائكة إلا من نزل فيكون عروجه رجوعا إلا أن يشاء الحق تعالى فلا تحجير عليه و إنما كلامنا في الوقع في الوجود و إنما سمي النزول من الملائكة إلينا عروجا و العروج إنما هو لطالب العلو لأن لله في كل موجود تجليا و وجها خاصا به يحفظه و لا سيما و قد ذكر أنه سبحانه وسعه قلب عبده المؤمن و لما كان للحق سبحانه صفة العلو على الإطلاق سواء تجلى في السفل أو في العلو فالعلو له و الملائكة أعطاهم اللّٰه من العلم بجلاله بحيث إذا توجهوا من مقامهم لا يتوجهون إلا لله لا لغيره فلهم نظر إلى الحق في كل شيء ينزلون إليه فمن حيث نظرهم إلى ما ينزلون إليه يقال تَنَزَّلُ الْمَلاٰئِكَةُ و من حيث إنهم ينظرون إلى الحق سبحانه عند ذلك الأمر الذي إليه و له سبحانه مرتبة العلو يقال تَعْرُجُ الْمَلاٰئِكَةُ فهم في نزولهم أصحاب عروج فنزولهم إلى الخلق عروج إلى الحق و إذا رجعوا منا إلى مقاماتهم يقال إنهم عرجوا بالنسبة إلينا و إلى كونهم يرجعون إلى الحق لغرض ما بأيديهم مما نزلوا إليه فكل نظر إلى الكون ممن كان فهو نزول و كل نظر إلى الحق ممن كان فهو عروج فافهم

[إن اللّٰه عين للرسل معارج يعرجون عليها]

ثم إن اللّٰه عين للرسل معارج يعرجون عليها ما هي معارج الملائكة و عين للاتباع أتباع الرسل معارج يعرجون عليها و هم أتباع الأتباع فإن الرسول تابع للملك و الولي تابع للرسول و لهذا قيل للرسول وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ فهو مصغ تابع للملك و نحن مع الرسول بهذه المثابة فإذا نزل الملك بالوحي على الرسول و تلقا منه ألقاه الرسول على التابع و هو الصاحب فتلقاه منه فإذا عرج الملك عرج بذاته لأنه رجوع إلى أصله و إذا عرج الرسول ركب البراق فعرج به البراق بذاته و عرج الرسول لعروج البراق بحكم التبعية و الحركة القسرية فكان محمولا في عروجه حمله من عروجه ذاتي فتميز عروج الرسول من عروج الملك ثم إنه لما وصل إلى المقام الذي لا يتعداه البراق و ليس في قوته إن يتعداه تدلى إلى الرسول الرفرف فنزل عن البراق و استوى على الرفرف و صعد به الرفرف و فارقه جبريل فسأله الصحبة فقال إنه لا يطيق ذلك و قال له وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ فلو أراد الحق صعوده فوق ذلك المقام لكان محمولا مثل ما حمل الرسول ص و لما وصل المعراج الرفرفي بالرسول ص إلى مقامه الذي لا يتعداه الرفرف زج به في النور زجة غمرة النور من جميع نواحيه و أخذه الحال فصار يتمايل فيه تمايل السراج إذا هب عليه نسيم رقيق يميله و لا يطفئه و لم ير معه أحدا يأنس به و لا يركن إليه و قد أعطته المعرفة أنه لا يصح الأنس إلا بالمناسب و لا مناسبة بين اللّٰه و عبده و إذا أضيفت المؤانسة فإنما ذلك على وجه خاص يرجع إلى الكون فأعطته ص هذه المعرفة الوحشة لانفراده بنفسه و هذا مما يدلك أن الإسراء كان بجسمه ص لأن الأرواح لا تتصف بالوحشة و لا الاستيحاش فلما علم اللّٰه منه ذلك و كيف لا يعلمه و هو الذي خلقه في نفسه و طلب ع الدنو بقوة المقام الذي هو فيه فنودي بصوت يشبه صوت أبي بكر تأنيسا له به إذ كان أنيسه في المعهود فحن لذلك و أنس به و تعجب من ذلك اللسان في ذلك الموطن و كيف جاءه من العلو و قد تركه بالأرض و قيل له في ذلك النداء يا محمد قف إن ربك يصلي فأخذه لهذا الخطاب انزعاج و تعجب كيف تنسب الصلاة إلى اللّٰه تعالى فتلا عليه في ذلك المقام هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلاٰئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ فعلم ما المراد بنسبة الصلاة إلى اللّٰه فسكن روعة مع كونه سبحانه لا يشغله

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 54
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست