responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 53



حتى إذا ألقت إلى علومها بدقائق الأدوار و الأكوار
من كل علم ما له متعلق إلا بنعت الواحد القهار
عادت إلى أفلاكها أملاكها بألوكة من حضرة الأبرار
قد زانها حسن التلقي فانثنت بالصورتين حميدة الآثار
و تيقنت أن المعارف إنما وهبت لأهل العلم بالأسرار
و قد اشتهت طول المقام بساحتي لخروجها فيها عن الأطوار

[أن اللّٰه تعالى لما خلق الخلق قدرهم منازل لا يتعدونها]

اعلم أيدك اللّٰه أيها الولي الحميم أن اللّٰه تعالى لما خلق الخلق قدرهم منازل لا يتعدونها فخلق الملائكة ملائكة حين خلقهم و خلق الرسل رسلا و الأنبياء أنبياء و الأولياء أولياء و المؤمنين مؤمنين و المنافقين و الكافرين كافرين كل ذلك مميز عنده سبحانه معين معلوم لا يزاد فيهم و لا ينقص منهم و لا يبدل أحد بأحد فليس لمخلوق كسب و لا تعمل في تحصيل مقام لم يخلق عليه بل قد وقع الفراغ من ذلك و ذٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فمنازل كل موجود و كل صنف لا يتعداها و لا يجري أحد في غير مجراه قال تعالى في شأن الكواكب كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ و هكذا كل موجود له طريق تخصه لا يسلك عليها أحد غيره روحا و طبعا فلا يجتمع اثنان في مزاج واحد أبدا و لا يجتمع اثنان في منزلة واحدة أبدا فلا يكون الإنسان ملكا أبدا و لا الملك إنسانا و لا الرسول غيره أبدا و لكل مدرجة عن اللّٰه تعالى لكل صنف بل لأشخاص كل نوع خواص تخصها لا ينالها إلا السالك عليها و لو جاز أن يسلك غيره على تلك المدرجة لنال ما فيها و إن جمع الجنس منزل واحد و النوع منزل واحد و هكذا كل نوع من الأنواع التي تحت كل جنس من الأجناس و كذلك كل جنس من الأجناس إلى جنس الأجناس كذلك إلى النوع الأخير كما تجمع الرسالة الرسل و يفضل بعضهم بعضا و الأنبياء النبوة و يفضل بعضهم بعضا هذا و إن كانت الكواكب تقطع في فلك واحد و هو فلك البروج فلكل واحد منها فلك يخصه يسبح فيه لا يشاركه فيه غيره فهكذا الأمر في الجميع أعني في المخلوقات و إن جمعهم مقام فإنه يفرقهم مقام فالفلك الكبير الذي يجمع العالم كله فلك الأسماء الإلهية فيه يقطع كل شخص في العالم فهي منازله المقدرة لا يخرج عنها بوجه من الوجوه و لكن يسبح فيه بفلكه الخاص به الذي أوجده الحق فلا يذوق غيره ذوقه من فلك الأسماء و لو ذاقه لكان هو و لا يكون هو أبدا فلا يجتمع اثنين منزل أبد الاتساع فلك الأسماء الإلهية فكل من ادعى من أهل الطريق أنه خرج عن الأسماء الإلهية فما عنده علم بما هي الأسماء و لا يعلم ما معنى الأسماء و كيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك و لو صح هذا انقلبت الحقائق و خرج الإله عن كونه إلها و صار الحق خلقا و الخلق حقا و ما وثق أحد بعلم و صار الواجب ممكنا و محالا و المحال واجبا و انفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق و إنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد و تنتقل عليه الحالات و يتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها و كيف يخرج عنها و هي تصرفه و كل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ و إن سبح الكل في فلك الرسالة فأين قطع الهلال من قطع النسر و ذلك أن في الأمور اتساعا و ضيقا و نشرا و طيا الحس حقيقة واحدة يقطع في فلكها الحواس فأين اللمس من البصر اللمس لا يدرك الملموس كونه خشنا أو لينا إلا بغاية من القرب فإذا لمسه عرفه و البصر عند ما تفتح عينك و ترسله في المبصرات علوا كان زمان فتحه زمان إدراكه فلك البروج فأين مسافة ما يقطعه البصر من مسافة ما يقطعه اللمس لو أرادت حاسة اللمس تدرك ملوسة فلك البروج أو خشونته لو كان خشنا متى كانت تصل إلى ذلك و مع هذا فقد جمعهما الحس و كذلك السمع و الشم و الطعم فانظر ما بين هذه الحقائق من التباين و طبقاتها من التفاضل و أين اتساع أفلاكها من اتساع أفلاك القوي الروحانية في الإنسان ذٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ و إذا علمت هذا

[أن النبوة اختصاص إلهي]

علمت أن النبوة اختصاص إلهي و أن الرسالة كذلك و الولاية و الايمان و الكفر و جميع الأحوال و أن الكسب اختصاص فإن الملائكة ما لها كسب بل هي مخلوقة في مقاماتها لا تتعداها فلا تكتسب مقاما و إن زادت علوما و لكن ليس عن فكر و استدلال لأن نشأتهم لا تعطي ذلك مثل ما تعطيه نشأة الإنسان و القوي

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 53
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست