responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 536

يريدون الوصف الثبوتي و لا يكون إلا بالتشبيه و من جعل مثل لمن لا يقبل المثل فما قدره حق قدره أي ما أنزله المنزلة التي يستحقها فذمهم بالجهل حيث تعرضوا لما ليس لهم به علم من نفوسهم فلو قالوا فيه بما أنزله إليهم لم يتعلق بهم ذم من قبل الحق في ذلك لأن الحاكي لا ينسب إليه ما حكاه فلا يتعلق به ذم في ذلك و لا مدح فعلم الخلق بالله لا يدرك بقياس و إنما يدرك بالبقاء السمع لخطاب الحق إما بنفسه و إما بلسان المترجم عنه و هو الرسول مع الشهود الذي لا يسعه معه غير ما سمعه من الخطاب كما قال إِنَّ فِي ذٰلِكَ إشارة لما تقدم لَذِكْرىٰ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ فأحال على النظر الفكري بتقلب الأحوال عليه أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ و ما عدا هذين الصنفين فلا طريق لهم إلى العلم بما يستحقه الحق أن يضاف إليه و ما يستحقه الخلق أن يضاف إليهم فمن عرف نفسه فإنه لا يماثله الحق و من عرف ربه فإنه لا يماثله الخلق إذ معرفتكم بجزء واحد من العالم من كونه دليلا عين معرفتك بالعالم كله فلهذا أنزلنا العالم منزلة الواحد فنفينا عنه المثلية إذ ما ثم في الوجود إلا الحق و الحق ما هو مثل للعالم و إن كان العالم يماثل بعضه بعضا كما تحكم في الأسماء الإلهية في الغافر و الغفور و الغفار و أمثال هذا بأنها أمثال و إن تميزت بمراتب كالعالم فإن فيه أمثالا و إن تميزت بالأعيان و المراتب و لهذا ما نزلت هذه الآيات إلا في مقابلة قول كان منهم ورد ذلك في الخبر النبوي و أما في القرآن فقوله وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قٰالُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ عَلىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ مع إقرارهم أن التوراة نزلت على موسى ع من عند اللّٰه فكذبوا على اللّٰه فاسودت وجوههم أي ذواتهم فلا نور لهم يكشفون به الأشياء بل هم عمي فهم لا يبصرون و أما قوله سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ وَ سَلاٰمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ فهذه آية ما نزل عند العارفين أشكل منها لما فيها من التداخل فدخل تحت قوله تَعٰالىٰ في تنزيه نفسه عَمّٰا يَصِفُونَ ما يصفه به عباده مما تعطيهم أدلتهم في زعمهم بالنظر الفكري كل على حياله و كل واحد يدعي التنزيه لخالقه في ذلك فأما الفيلسوف فنفى عنه العلم بمفردات العالم الواقعة في الحس منهم فلا يعلم عندهم أن زيد بن عمرو حرك أصبعه عند الزوال مثلا و لا إن عليه في هذا الوقت ثوبا معينا لكن يعلم أن في العالم من هو بهذه الصفة مطلقا من غير تعيين لأن حصول هذا العلم على التعيين إنما هو للحس و اللّٰه منزه عن الحواس فقد اندرج عندهم هذا العلم بهذا الجزء في العلم الكل الذي هو أن في العالم من هو بهذه المثابة و قد حصل المقصود عندهم و فاتهم بذلك علم كبير فإن صاحب هذه الحركة المعينة من الشخص المعين يجوز أن تقوم بغيره فبأي شيء تقوم الحجة لله على تعيين هذا العبد حتى قرره عليها في الآخرة أو حرمه ما ينبغي له في الدنيا أو لم يتحرك بتلك الحركة و إن كان من أصل صاحب هذا النظر إنكار الآخرة المحسوسة و إنكار الوهب في الدنيا و الجزاء الصاحب هذه الحركة على التعيين و إن من مذهبه أن تلك الحركة هي المانعة لذاتها أن يحصل لهذا المتحرك بها ما تمنعها حقيقة تلك الحركة فهو بان على أصل فاسد و هو أن اللّٰه ما صدر عنه إلا ذلك الواحد الأول لأحديته ثم انفعل العالم بعضه عن بعض عن غير تعلق علم من اللّٰه تفصيلي بذلك بل بالعلم الكل الذي هو عليه و أما المتكلم مثل الأشعري فانتقل في تنزيهه عن التشبيه بالمحدث إلى التشبيه بالمحدث فقال مثلا في استواءه على العرش إنه يستحيل عليه أن يكون استواءه استواء الأجسام لأنه ليس بجسم لما في ذلك من الحد و المقدار و طلب المخصص المرجح للمقادير فيثبت له الافتقار بل استواءه كاستواء الملك على ملكه و أنشدوا في ذلك استشهادا على ما ذهبوا إليه من الاستواء

قد استوى بشر على العراق من غير سيف و دم مهراق
فشبهوا استواء الحق على العرش باستواء بشر على العراق و استواء بشر محدث فشبهوه بالمحدث و القديم لا يشبه المحدث فإن اللّٰه يقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و النظر الصحيح يعطي خلاف ما قالوه فقال تعالى في حق كل ناظر سُبْحٰانَ رَبِّكَ لمحمد ص ضمير هذا الكاف أي ربك الذي أرسلك إليهم لتعرفهم بما أرسلك له إليهم و أنزله بوساطتك عليهم رَبِّ الْعِزَّةِ أي هو الممتنع لنفسه أن يقبل ما وصفوه به في نظرهم و حكموا عليه بعقولهم و أن الحق لا يحكم عليه خلق و العقل و العاقل خلق و إنما يعرف الحق من الحق بما أنزله إلينا أو أطلعنا عليه كشفا و شهودا بوحي إلهي أو برسالة رسول ثبت صدقه و عصمته فيما يبلغه عن اللّٰه إلينا عَمّٰا يَصِفُونَ من حيث نظروا بفكرهم و استدلوا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 536
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست