responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 535

من استواء و نزول و استعطاف و تلطف في خطاب و غضب و رضاء و كلها نعوت المخلوق فلو لم يصف نفسه بنعوتنا ما عرفناه و لو لم ينزه نفسه عن نعوتنا ما عرفناه فهو المعروف في الحالين و الموصوف بالصفتين و لهذا خلق من كل شيء زوجين :

ليكون لأحد الزوجين العلو و هو الذكر و لأحد الزوجين السفل و هو الأنثى ليظهر من بينهما إذا اجتمعا بقاء أعيان ذلك النوع و جعل ذلك في كل نوع نوع ليعلمنا أن الأمر في وجودنا على هذا النحو فنحن بينه و بين معقولية الطبيعة التي أنشأ منها الأجسام الطبيعية و أنشأ من نسبة توجهه عليها الأرواح المدبرة و كل ما سوى اللّٰه لا بد أن يكون مركبا من راكب و مركوب ليصح افتقار الراكب إلى المركوب و افتقار المركوب إلى الراكب لينفرد سبحانه بالغنى كما وصف نفسه فهو غني لنفسه و نحن أغنياء به في عين افتقارنا إليه فما لا نستغني عنه فكل ما سوى اللّٰه مدبر و مدبر لهذا المدبر فالمدبر اسم فاعل بما هو مدبر يجد ذلك قوة في ذاته يفتقر إلى مدبر يظهر فيه تدبيره و لا مدبر اسم مفعول بما هو مدبر يجد ذلك حالة في ذاته يفتقر بها إلى من يدبر ذاته لصلاح عينه و بقائه ففقر كل واحد إلى الآخر فقر ذاتي و إنما يتصف بالغنى عنه لكونه لا يفتقر إلا إلى مدبر لا إلى هذا المدبر بعينه كما إن المدبر يتصف بالغنى لكونه لا يفتقر إلا إلى مدبر لا إلى هذا المدبر بعينه فكل واحد منهما غني عن الآخر عينه لا عن التدبير منه و فيه فغني كل واحد ليس على الإطلاق و غناء الحق مطلق بالنظر إلى ذاته و الخلق مفتقر على الإطلاق بالنظر أيضا إلى ذاته فتميز الحق من الخلق و لهذا كفر من قال إِنَّ اللّٰهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِيٰاءُ فهذا التمييز لا يرتفع أبدا لأنه تميز ذاتي في الموصوف به من حق و خلق فما ثم إلا شيئيتان شيئية حق و شيئية خلق فليس كمثل الخلق في افتقاره شيء لأنه ما ثم إلا الحق و الحق لا يوصف بالافتقار فما هو مثل الخلق فليس مثل الخلق شيء و ليس كمثل الحق في غناه شيء لأنه ما ثم إلا الخلق و الخلق لا يتصف بالغنى لذاته فما هو مثل الحق فليس مثل الحق شيء لأنه كما قلنا ما ثم شيء إلا الخلق و الحق فالخلق من حيث عينه ذات واحدة في كثير و الحق من حيث ذاته و عينه ذات واحدة لها أسماء كثيرة و نسب فمن لم يعلم قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ على ما قررناه فلا علم له بهذه الآية فإنه جاء بالكاف ثم نفى المثلية عن نفسه بزيادة الكاف للتأكيد في النفي ثم نفى المثلية عن العالم بجعل الكاف صفة فعلق النفي بالمماثل في النفي أي انتفت عن الخلق المثلية لأنه ما ثم إلا حق لا يماثل و انتفت عن الحق المثلية لأنه ما ثم إلا خلق لا يماثل

فهكذا تفهم المعاني إذا جاءنا النور بالبيان
فليس في أكون غير فرد حق و إن شئتم اثنتان
و كل عين لها انفراد بذاتها لا ترى بثاني
و قد أتى في الصلاة حكم منه بتقسيمه المثاني
فميز الخلق عنه فيها لأجل ذا لاحت اثنتان
فقال بيني و بين عبدي فمن رآه فقد رآني
فلست غير إله و لا هو لوحدتي في الوجود ثاني
ترجم عنه لسان خلق بما ذكرنا من البيان
و أما قوله وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ و هو الذي أنطقهم بما نطقوا به فيه فإنه يقول عن المشهود عليهم إنهم قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فما من شيء ينطق إلا و اللّٰه أنطقه و اختلف المنطوق به فثم نطق أي منطوق به يتعلق به مديح و ثم منطوق به يتعلق به دم و ثم منطوق به يتعلق به تجوز لتواطئ جعله اللّٰه في العالم و ثم منطوق به على ما هو المدلول عليه في نفسه فهو إخبار عن حقيقة و ما ثم إلا ما ذكرناه فنطق المدح شهادة أولي العلم بتوحيد اللّٰه و نطق الذم قول القائل إِنَّ اللّٰهَ فَقِيرٌ و يَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ يريد البخل و نطق بالحقيقة وَ اللّٰهُ خَلَقَكُمْ و نطق بالتجوز للتواطئ وَ مٰا تَعْمَلُونَ و الآية واحدة فأما قوله وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ لكونهم ليسوا مثله فما عرفوه و من جهل أمره لا يقدر قدره فهم ليسوا له بمثل و لا هو مثل لهم فوصفوه بنفوسهم و بما هم عليه و لا يتمكن لهم إلا ذلك لأنهم

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 535
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست