responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 537

بعقولهم إذ العلم بالله لا يقبل التحول إلى الجهل و لا الدخول عليه بالشبه و ما من دليل عقلي إلا و يقبل الدخول و الشبهة و لهذا اختلف العقلاء فكل واحد من المخالفين عنده دليل مخالفه شبهة لمخالفه لكونه خالف دليل هذا الآخر فعين أدلتهم كلهم هي عين شبهاتهم فأين الحق و أين الثقة و أصل الفساد إنما وقع من حيث حكموا الخلق على الحق الذي أوجدهم ثم قال وَ سَلاٰمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ و ما جاءت الرسل ع إلا بما أحالته هذه الأدلة النظرية و بما أثبتته فصدقهم في نظرهم و أكذبهم في نظرهم فوقعت الحيرة عند هؤلاء فإذا سلموا له ما قاله عن نفسه على ألسنة رسله و انقادوا إليهم فإن انقيادهم إليهم ينزلهم منزلتهم فإنهم ما انقاد و إليهم من حيث أعيانهم فإنهم أمثالهم و إنما انقادوا إلى الذي جاءوا من عنده و نقلوا عنه ما أخبر به عن نفسه على ما يعلم نفسه لا على تأويل من وصل إليه ذلك فلا يعلم مراد اللّٰه فيه إلا بإعلام اللّٰه فيقف الناظر موقف التسليم لما ورد مع فهمه فيه أنه على موضوع ما هو في ذلك اللسان الذي جاء به هذا الرسول لا بد من ذلك لأنه ما جاء به بهذا اللسان إلا لنعرف أنه على حقيقة ما وضع له ذلك اللفظ في ذلك اللسان و لكن تجهل النسبة فتسلم إليه علم النسبة مع عقلنا الدلالة بالوضع الاصطلاحي في ذلك اللحن الخاص فتنقاد إليه كما انقاد المرسلون و لهذا قال على المرسلين أي هو واجب عليهم الانقياد بقوله وَ سَلاٰمٌ فنكون أمثالهم ثم قال وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّٰه فعواقب الثناء على اللّٰه بما نزه نفسه عنه إن الثناء على اللّٰه في ذلك كونه تعالى أنطقهم به و أوجد ذلك في نفوسهم لأن الذي قالوه يكون حقا و لا بد و لهذا قال وَ الْحَمْدُ فإن الحمد العاقب فعواقب الثناء ترجع إلى اللّٰه و عاقب الأمر آخره و لا آخر لما قالوه إلا كونه موجودا عنه تعالى فيهم فإنه رب العالمين من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة و هو سيد العالم و مربيهم و مغذيهم و مصلحهم لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و أما قوله وَ لَهُ الْكِبْرِيٰاءُ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ

[العالم محصور في علو و سفل]

اعلم أن العالم محصور في علو و سفل و العلو و السفل له أمر إضافي نسبي فالعالي منه يسمى سماء و الأسفل منه يسمى أرضا و لا يكون له هاتان النسبتان إلا بأمر وسط يكون بينهما و يكون ذلك الأمر في نفسه ذا جهات فما أظله فهو سماء و ما أقله فهو أرض له و إن شئت قلت في الملإ الأعلى و الملإ الأسفل أنه كل ما تكون من الطبيعة فهو الملأ الأسفل و كل ما تولد من النور فهو الملأ الأعلى و أكمل العالم من جمع بينهما و هو البرزخ الذي بجهاته ميزهما أو بجمعيته ميزهما بالعلو و السفل من حيث المؤثر و المؤثر فيه اسم فاعل و اسم مفعول و الحق تعالى بالنظر إلى نفسه لا يتصف بشيء مما يتصف به وجود العالم فالعظمة و الكبرياء المنسوبان إليه في ألسنة الفهوانية أن اللّٰه لما نسب الكبرياء الذي له ما جعل محله إلا السموات و الأرض فقال وَ لَهُ الْكِبْرِيٰاءُ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ ما قال في نفسه فالمحل هو الموصوف بالكبرياء الذي لله فالعالم إذا نظر إلى نفسه صغيرا و رأى موجدة منزها عما يليق به سمي ربه كبيرا و ذا كبرياء لما كبر عنده بما له فيه من التأثير و القهر فلو لم يكن العالم مؤثرا فيه لله تعالى ما علم أنه صغير و لا أن ربه كبير و كذلك رأى لما قامت الحاجة به و الفقر إلى غيره احتاج أن يعتقد و يعلم أن الذي استند إليه في فقره له الغني فهو الغني سبحانه في نفس عبده و هو بالنظر إلى ذاته معرى عن النظر إلى العالم لا يتصف بالغنى لأنه ما ثم عن من و كذلك إذا نظر إلى ذله علم أنه لا يذل لنفسه و إنما يذل تحت سلطان غيره عليه فسماه عزيزا فإنه عز الحق في نفس هذا العبد لذله فالعبد هو محل الكبرياء و الغني و العظمة و العزة التي لله فوصف العبد ربه بما قام به فأوجب المعنى حكمه لغير من قام به و من هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر إن الباري مريد بإرادة حادثة لم تقم به لأنه ليس محلا للحوادث فخلق إرادة لا في محل فأراد بها فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم تقم به هذا القدر و هو الذي لاح عندهم من روح هذا الأمر الذي ذكرناه في الكبرياء و ما تم لهم تحقيق النظر إلى آخره بل عبروا عن ذلك بعبارات سيئة مختلطة فإن أكثر العقلاء يرون أن المعاني لا توجب أحكامها إلا لمن قامت به و هذا غلط طرأ عليهم لكونهم أثبتوا الصفات أعيانا متعددة وجودية لا تقوم بنفسها بل تستدعي موصوفا بها تقوم به فيوصف بها فلو علموا أن ذلك كله نسب و إضافات في عين واحدة تكون تلك العين بالنسبة إلى كذا عالمة و إلى كذا قادرة و إلى كذا مريدة و إلى كذا كبيرة و إلى كذا غنية و إلى كذا عزيزة إلى سائر الصفات و الأسماء لأصابوا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 537
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست