responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 480

إلا مما ذكرناه من التجلي لقلبه و لا يشعر أن ذلك عن تجل و بهذا القدر زاد أهل الكشف على غيرهم من المؤمنين و لو لا كشفهم للأمور ما فصلوها إلى كذا و إلى كذا فحظ الرسول أن يلحقه بربه في نفسه و فيما جاء به من عنده و أما حظ اليتامى من هذا العلم فإنه على الحقيقة أوان بلوغ الخروج عن الدعوى فيما كان لك فحظك قبل مجيء هذا الزمان إن تضاف أفعالك لك و لا يعترض عليك و لا تسلب عنك و لا تحجير عليك فإذا بلغ أوان الحلم صرت محجورا عليك و وقع التقييد في جميع حركاتك و توجهت عليها أحكام الحق لأنها أفعاله ظهرت فيك و لو لا ما ظهرت فيك ما تعلق بها هذا الخطاب و لا هذا التحكيم و معنى طهرت فيك هو عين دعواك أن الأفعال لك فأراد الحق بالتحجير بما كلفك إن يعرفك بأن هذه الأفعال لو كانت لك ملكا محققا ما جاز لي أن أتصرف فيما لك و ليس لي و سبب ذلك أن أوان بلوغ العقل قد حل و استحكام العقل و النظر قد حصل فكان ينبغي لك بما أعطاك اللّٰه من العقل أن ترى أفعالك التي أنت محل لظهورها منك لله تعالى ليست لك فلو حصل لك هذا ابتداء ما كلفك و لا حجرها عليك في هذه الدار أ لا ترى من لم يستحكم عقله ما حجر عليه و لا كلفه و هو المجنون الذي ستر عنه عقله إن يكون له حكم فيه و كذلك النائم و كل من لم يتصف بالعقل و لما وصل في هذه الدار إلى الحد الذي أوجب عليه التكليف بقيام هذه الصفة إذا كشف عنه الغطاء في هذه الدار لم يرتفع عنه التحجير و لا خطاب الشرع لحكم الدار لا لحكم الحال لأنه كان يعطي القياس ارتفاع التحجير عمن هو بهذه الصفة و لكن لا بد للدار من حكم كما يفعل بأطفال المشركين و الكفار نلحقهم بآبائهم للدار و إن علمنا أنهم على الفطرة و ما أشركوا و لا كفروا فللدار حكم فإذا جاء وعد الآخرة و انتقلنا إليها خرجنا عن حكم الدار فارتفع عنا حكم التكليف في دار الرضوان و أختها كذلك من أطلعه اللّٰه هنا في هذه الدار على سعادته و أطلع آخر على شقاوته لم تسقط هذه المطالعة عنهما التحجير و لا التكليف لأن أصل وضع النواميس في هذه الدار إنما هو لمصلحة الدنيا و الآخرة فمن المحال رفع التحجير ما دامت الدنيا و دام من فيها فلو لا هذا لكان من كشف عنه الغطاء ارتفع عنه التحجير لأنه لا يرى فاعلا إلا اللّٰه و الشيء لا يحجر على نفسه و إن أوجب على نفسه ما أوجب فذلك تأنيس لنا فيما توجبه على أنفسنا لنا فإن أوجبناه له أوجبه علينا لنتميز فنعصي بتركه و لو ترك الحق ما أوجبه على نفسه لم يكن له هذا الحكم فإن هذا الحكم لا يتعلق بمن تعلق به إلا من حيث إن الغير أوجبه فلو لا ما أوجبه الحق علينا حين أوجبناه على أنفسنا لم نكن عصاة إذا تركناه فإذا وفى به من لم يوجبه عليه غيره فمنة منه و فضل و مكارم أخلاق فإن قلت هذا إذا كان في الخير فإن كان شرا قلنا ما ثم الأخير و الخير على قسمين خير محض و هو الذي لا شر فيه و خير ممتزج و هو الذي فيه ضرب من الشر كما بيناه من شرب الدواء المكره و كالمؤمن إذا عصى و أطاع فإن المؤمن لا تخلص له معصية دون طاعة أصلا فإن الايمان بكونها معصية طاعة و في هذا تنبيه لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ فيرجع الأمر في الآخرة إلى الأمر الذي كان عليه اليتيم قبل البلوغ و إنما قلنا في اليتيم و كل صبي دون البلوغ كذلك مع كونه ليس بيتيم لأن اليتيم في تدبير وليه و الولي اللّٰه لأنه ولي المؤمنين و غير اليتيم في تدبير أبيه فلا ينظر إليه مع وجود أبيه لأن الفرع يستمد من أصله الأقرب أ لا ترى الثمرة لا تعرف لها أصلا إلا فرع الشجرة لأنها من الفرع تستمد و الفرع يعرف الأصل الذي تجهله الثمرة و اليتيم قد علم إن أباه قد اندرج فانكسر قلبه و لم يكن له أصل يدل عليه فعرفه العلماء بالله أنه ليس له إلا من كان لأبيه و هو اللّٰه فيرجع إلى اللّٰه في أموره فلما كان حال اليتيم مع اللّٰه في نفسه بهذه المثابة جعل اللّٰه له حظا في المغنم ليتوفر عليه ما هو له و هو ما يرى الصبي من إضافة الأفعال إليه و عدم التحجير عليه فيها فمن يمسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة و ليس ذلك لغير اليتيم و حكم المسكين حكم اليتيم من عدم الناصر الظاهر فقوى اللّٰه ضعفه أي زاده اللّٰه ضعفا إلى ضعفه فإن المخلوق ضعيف بحكم الأصالة فإذا زاده اللّٰه ضعفا إلى ضعفه كان مسكينا فما تكون له صولة فإن صال و هو مسكين فقد أبغضه اللّٰه فإنه ظهر منه ما يخالف حاله فقد كلف نفسه ما لا يقتضيه مقامه و لذلك

قال رسول اللّٰه ص ثلاثة لاٰ يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَ لاٰ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لاٰ يُزَكِّيهِمْ

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 480
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست