responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 481

وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ ملك كذاب و شيخ زان و عائل مستكبر أي قد بالغ في التكبر كما أن المسكين قد بالغ اللّٰه فيه بالضعف فإنه من كونه مسكينا صاحب ضعفين ضعف الأصل و ضعف الفقر فلا يقدر يرفع رأسه لهذا الضعف بخلاف رب المال فإنه يجد في نفسه قوة المال و بهذا سمي المال مالا لأنه يميل بصاحبه و لا بد إما إلى خير و إما إلى شر لا يتركه في حال اعتدال فالمسكين من سكن تحت مجاري الأقدار و نظر إلى ما يأتي به حكم اللّٰه في الليل و النهار و اطمأن بما أجرى اللّٰه به و عليه و علم أنه لا ملجأ من اللّٰه إلا إليه و أنه الفعال لما يريد و تحقق بأن قسمه من اللّٰه ما هو عليه في الحال فجبر اللّٰه كسره

بقوله أنا عند المنكسرة قلوبهم فإنك إذا جئت لمن انكسر قلب ما تجد عنده جليسا إلا اللّٰه حالا و قولا فجعل له حظا عليه في المغنم و إن لم يكن له فيه تعمل فخدمه غيره و نال هو الراحة بما أوصل اللّٰه إليه من ذلك مما جهد فيه الغير و تعب كالمؤمن الذي لا علم له و هو من أهل الجنة فيرى منازل العلماء بالله و هو في الموقف فيتحسر و يندم فيعمد اللّٰه إلى من هو من أهل النار من العلماء فيخلع عنه ثوب علمه و يكسوه هذا المؤمن ليرقى به في منزلة ذلك العلم من الجنة لأنه لكل علم منزلة في الجنان لا ينزل فيها إلا من قام به ذلك العلم لأن العلم يطلب منزلته من الجنان و العالم الذي كان له هذا العلم هو من أهل النار الذين هم أهلها و العلم لا يقوم بنفسه فينزل بنفسه في تلك المنزلة فلا بد له من محل يقوم به فيخلعه اللّٰه على هذا المؤمن السعيد الذي لا علم له فيرقى به العلم إلى منزلته فما أعظمها من حسرة و لكن بقي عليك إن تعرف أي علم يسلبه هذا الذي هو من أهل النار و ذلك أنه إذا كان على علم في نفس الأمر إلا أنه قد دخلت عليه في الدنيا فيه شبهة فأما حيرته فهو في محل النظر و أما إزالته عنه مع علمه بما كان عليه غير أنه اعتقد فيه في الدنيا أنه جهل فإذا كان في الآخرة علم أنه علم فذلك العلم هو الذي يسلب و يخلع على هذا الذي ليس بعالم و هو من أهل الجنة و إذا كان الأمر على ما ذكرناه فإن اللّٰه لا يبقى في الدنيا عند الموت عند أهل النار الذين هم أهلها سوى العلم الذي يليق أن يكون عليه أهل النار و ما عدا ذلك من العلوم التي لا تصلح أن تكون إلا لأهل الجنة يدخل اللّٰه بها على العالم به في الدنيا أو عند الاحتضار شبهة يخطرها له تزيله عن العلم أو تحيره ثم يموت على ذلك و كان ذلك في نفس الأمر علما فهذا الصنف من العلم هو الذي يخلع على أهل الجنان إذا لم يتقدم لهم علم به في الدنيا و يطمع فيه من قد كان علمه من أهل النار فيقام عليه الحجة بأنه مات على شبهة فهذا حظ المسكين من المغنم فإن ذلك الذي سلب عنه في الدنيا بالشبهة جاهد نفسه و تعب فلما غنم و دخلت الشبهة كان حظ المسكين ذلك العلم و أما ابن السبيل فأبناء السبيل هم أعلى الطوائف عند اللّٰه فإن الابن لا يقدر أن ينتفي عن أبيه و إنما سمي ابن السبيل لأنه علم إن المنزل محال و أن الاستقرار على أمر واحد محال لا في حق نفسه و لا في حق تجلى ربه بل و لا في حق ربه لأنه في شأن خلقه و الأمر فيهم جديد دائما أبدا و من لم يستقر به قدم فلا بد أن يكون ماشيا أي متحركا و لا يتحرك إلا في طريق و هي السبيل و المشي له دائما دنيا و آخرة فهو ابن السبيل دنيا و آخرة و لما كان متفرغا لسبيله مشغولا به مسافرا فيه و المسافر لا بد له من زاد فجعل اللّٰه له نصيبا من المغنم فالحق يغذيه بما ليس له فيه تعمل و قد يكون ابن السبيل في هذه الآية عين المجاهد و يكون السبيل من أجل الألف و اللام اللتين للعهد و التعريف سبيل اللّٰه التي قال اللّٰه فيها وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ يعني الشهداء الذين قتلوا في الجهاد فيكون أيضا حظ المجاهد من المغنم القدر الذي عين اللّٰه لابن السبيل و هو معروف سوى ما له في الصدقات فاعلم ذلك فإنه تنبيه حسن إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ و ما أنزل اللّٰه على عبده يوم الفرقان ففرق بما أعلمه اللّٰه بين القبضتين بالكلمتين اللتين ظهرتا في الكرسي بالقدمين إذ كان أهل اللّٰه و هم أبناء الآخرة أبناء السبيل بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيٰا إلى اللّٰه بمحصل القربة و المكانة الزلفى من اللّٰه وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوىٰ عن اللّٰه و هم أبناء الحياة الدنيا و أبناء سبيلها وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فجعل السفل لهم إذ كانت كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلىٰ و من كان أسفل منك فأنت أعلى منه لأنكم أهل اللّٰه الذين لهم السعادة إذ كانت كلمة اللّٰه هي العليا و كل هذا بحكم اللّٰه و قضائه لا ليد تقدمت بل لعناية إلهية سبقت يقول اللّٰه تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 481
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست