responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 476

يقيم على خلقه يوم القيامة الشهود فلا يعاقبهم إلا بعد إقامة البينة عليهم مع علمه و بهذا قال من قال إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه أما في العالم فللتهمة بما له من الغرض و أما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم به في الدنيا على لسان رسوله ص و لهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ يعني بالحق الذي بعثتني به و شرعت لي أن أحكم به فيهم فإذا علمت إن الحق أنزل نفسه في خلقه منزلتهم و جعل مجلاه الأتم في الخليفة الإمام ثم

قال كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته فعمت الإمامة جميع الخلق فحصل لكل شخص منهم مرتبة الإمامة فله من الحق هذا القدر و يتصرف بقدر ما ملكه اللّٰه من التصرف فيه فما ثم إنسان إلا و هو على صورة الحق غير أنه في الإمام الأكبر مجلاه أظهر و أمره أعظم و طاعته أبلغ و اعلم أن اللّٰه تعالى لما شرع لعباده ما شرع قسم ما شرعه إلى فرض أوجبه على المكلفين من عباده و هو على قسمين فرض أوجبه عليهم ابتداء من عنده كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الطهارة و ما أشبه ذلك مما أوجبه عليهم من عند نفسه و فرض آخر أوجبوه على أنفسهم و لم يكن ذلك فأوجبه اللّٰه عليهم ليؤجروا عليه أجر الواجب الإلهي و ليتحقق اللّٰه عندنا إن الإنسان على صورته فإن اللّٰه أوجب على نفسه نصر المؤمنين و الرحمة و أمثال ذلك هذا في حق العلماء بالله و في حق قوم أوجبه عليهم عقوبة لهم حين أوجبوه على أنفسهم كالنذر و زاحموا الربوبية في الإيجاب على نفسه فأوجبه عليهم ليعرفهم أنهم ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم فيعرفون بذلك مقدارهم فالحق تعالى لو لم يفعل ما أوجب على نفسه فعله لما تعلق به ذم و لا لوم في ذلك لأن رتبته تقتضي بأنه الفعال لما يريد و لهذا ما يتعلق بإيجابه على نفسه حد الواجب و العبد لما أوجب اللّٰه عليه ما أوجبه على نفسه تعلق به إذا لم يقم بصورة ما أوجبه على نفسه حد الواجب كالواجب الأصلي إذا لم يقم به يعاقب فأجره عظيم و العقوبة عليه عظيمة فيمن لم يقم به فجزاؤه عظيم في الواجبين معا ثم ما جاء من الأفعال زائدا على صور الواجبات سمي ذلك نافلة أي زائدا على الواجب فإن لم يكن لذلك الزائد عين صورة في الفرائض لم يكن نافلة و كان ذلك عملا مستقلا له مرتبة في الأجر ليست للنوافل ثم مزج النشأة كما مزج نشأة المكلف فجعل في نشأة الفرائض سننا و هي زوائد على الفرائض و جعل في النوافل التي تطوع العبد بها من نفسه من غير وجوب الفرائض في نشأة النوافل و لهذا إذا لم يجيء بالفرائض يوم القيامة تامة يقول اللّٰه أكملوا لعبدي فريضة من تطوعه فما نقص من الفرض الواجب كمل من الفرض الذي في النوافل و ما نقص من سنن الفرض الواجب كمل من سنن النوافل ألحق كل شيء بمثله قال لي بعض الأرواح فلم سميت الغنائم أنفالا قلنا لا شك و لا خفاء عند كل مؤمن عالم بالشرع إن اللّٰه ما جعل القتال للمؤمن إلا لتكون كلمة اللّٰه هي العليا و كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلىٰ لتتميز الكلمتان كما تميزت القدمان فإنه خلق من كل شيء زوجين : ذاتا و حكما و عرفتنا التراجمة عن اللّٰه و هم رسل اللّٰه إن اللّٰه تعالى من وقت شرع الجهاد و القتال و السبي أعطى المغانم للنار طعمة أطعمها إياها و أوجبها لها و كان من طاعتها لربها أنها لا تتناول إلا ما أحل اللّٰه لها تناوله و كان قد حرم اللّٰه عليها أكل المغنم إذا وقع فيه غلول من المجاهدين فكانت لا نأكل المغنم إذا غل فيه حتى يرد إليه ما كان أخذ منه ليخلص العمل للمجاهد فلما جاء الشرع المحمدي زاد اللّٰه المغانم لأمة محمد ص طعمة على ما أطعمهم من غير ذلك فكانت تلك الطعمة التي أخذناها من النار نافلة لهذه الأمة و ما أعطاها إياهم لكونهم جاهدوا إذ لو كان ذلك حقا لهم على الجهاد ما وقعت لأحد لم يجاهد معهم فيها الشركة فما هي فريضة للمجاهدين و إنما هي طعمة أطعمها اللّٰه من ذكر و جعل لنفسه نصيبا لكونه نصرهم فله نصيب في الجهاد فلما كان السبب لكون اللّٰه جعل لنفسه فيها نصيبا لنصرته دين اللّٰه اندرج في نصيب اللّٰه كل من نصر دين اللّٰه و هم الغزاة فليس لهم إذا اعتبرت الآية إلا الخمس من المغنم ثم تبقي أربعة أخماس فتقسم فخمسة أيضا واحد الخمسة لرسول اللّٰه ص و بعد الرسول إذا فقد الخليفة الزمان و الخمس الثاني لأهل البيت قرابة رسول اللّٰه ص و الخمس الثالث لليتامى و الخمس الرابع للمساكين و الخمس الخامس لابن السبيل و قد ورد عن بعض العلماء و أظنه ابن أبي ليلى أن الحظ الذي هو الخمس من الأصل كان رسول اللّٰه ص يقبضه و يخرجه للكعبة و يقول هذا اللّٰه ثم يقسم ما بقي فلما كانت هذه الطعمة للنار نقلها اللّٰه لهذه الأمة كما جعل

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 476
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست