اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين الجزء : 3 صفحة : 475
و اللاحق و فيه علم الشر و الخير و حكم الايمان و فيه علم النفوس الجزئية و فيه علم صفات المقربين و فيه علم الضلال و الهدى و فيه علم إقامة الواحد مقام الجمع وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
«الباب السادس و السبعون و ثلاثمائة»في معرفة منزل يجمع بين الأولياء و الأعداء من الحضرة الحكمية
و مقارعة عالم الغيب بعضهم مع بعض و هذا المنزل يتضمن ألف مقام محمدي
إن المغانم نار الحق تأكلها فمن يكن بدلا منها فقد عصما منها فليس لها عليه سلطنة فذلك نائبه في الخلق قد حكما و ما مضى فهو منسوخ بعامله يوم القيامة بالنسخ الذي رسما فالكل ينعم ملتذ بمنزله أهل الجنان و أهل النار و القدماء من لم يكن حظه علما و معرفة فما تقدم في شأو الهوى قدما اللّٰه يرزقها من علم رحمته حظا يبلغنا منازل العلما
[أن لله حظا وافرا من حظوظ عباده]
اعلم أن اللّٰه تعالى قد أبان لعباده في هذا المنزل أن له فيه حظا وافرا من حظوظ عباده و من أجل هذا
قال رسول اللّٰه ص حق اللّٰه أحق بالقضاء يعني من حق المخلوق و قال في القرآن العزيز مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ فقدم الوصية على الدين و الوصية حق اللّٰه لأنه الذي أوجبها علينا حين أوجبها الموصي في المال الذي له فيه تصرف و الفقهاء يقدمون الدين على الوصية خلافا لما ورد به حكم اللّٰه إلا بعض أهل الظاهر فإنهم يقدمون الوصية على الدين و به أقول و جعل اللّٰه الحظ الذي له في الصلاة على النصف و هو دون هذا الحظ الآخر
فقال قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين نصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل فساوى سبحانه في هذه القسمة بين اللّٰه و بين عبده إذا صلى و قال في حظه في المغنم إن له الخمس وحده من المغنم و ما بقي و هو أربعة أخماس تقسم على خمسة فلكل صنف من الحظ دون ما لله فحظ اللّٰه في هذا المقسوم أكثر من حظه في الصلاة بالنسبة إلى هذا الحال بينه و بين عبيده و إلا فحظ النصف أعظم من حظ الخمس فقسم الصلاة أكثر من قسم المغنم و بالنظر في عين الموطن و القسمة الخاصة فحظه في المغنم بالنظر إلى ما بقي من الأصناف المقسوم عليهم أعظم فأنزل الحق نفسه من عباده منزلة أنفسهم و عاملهم بما يتعاملون به و في موطن آخر يقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنفى المماثلة و في موضع آخر
يقول المترجم عنه إن اللّٰه خلق آدم على صورته ثم إنه جعل الإنسان محل ظهور الأسماء فيه و أطلقها عليه فللعبد التسمية بكل اسم تسمى به الحق و إن اختلفت النسب فمعقولية مدلول الاسم واحدة لا تتغير ثم إنه جعل بعضهم خليفة عنه في أرضه و جعل له الحكم في خلقه و شرع له ما يحكم به و أعطاه الأحدية فشرع إنه من نازعه في رتبته قتل المنازع
فقال رسول اللّٰه ص إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما و جعل بيده التصرف في بيت المال و صرف له النظر عموما و أمرنا بالطاعة له سواء جار علينا أو عدل فينا فقال تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و هم الخلفاء و من استخلفه الإمام من النواب فإن اللّٰه قد جعل له أن يستخلف كما استخلفه اللّٰه فبأيديهم العطاء و المنع و العقوبة و العفو كل ذلك على الميزان المشروع فلهم التولية و العزل كما أن الحق بيده الميزان يخفض القسط و يرفعه و ذلك الميزان هو الذي أنزله إلى الأرض بقوله وَ وَضَعَ الْمِيزٰانَ ثم قال إنه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل و عمل الليل قبل عمل النهار كذلك الخليفة نرفع إليه أعمال الرعية يرفعها إليه عماله و جباته فيقبل منها ما شاء و يرد منها ما شاء فكل ما ذكره الحق لنفسه من التصرف في خلقه و لم يعينه جعل للإمام أن يتصرف به في عباده ثم إن اللّٰه جعل له أعداء ينازعونه في ألوهيته كفرعون و أمثاله كذلك جعل اللّٰه للخلفاء منازعين في رتبتهم و جعل له أن يقاتلهم و يقتلهم إذا ظفر بمن ظفر منهم كما يفعل سبحانه مع المشركين و مدة إقامتهم كمدة إمهال اللّٰه إياهم و أخذ الخليفة و ظفره بهم كزمان الموت لهؤلاء حتى لو قابلت النسختين ما اختلفتا في حرف واحد في الحكم و كما إن الحق يحكم بسابق علمه في خلقه يحكم الخليفة بغلبة ظنه لأن الخليفة ليست له مرتبة العلم بكل ما يجري في ملكه و لا يعلم المحق من المبطل و إنما هو بحسب ما تقوله البينة كما يفعله اللّٰه مع خلقه مع علمه
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين الجزء : 3 صفحة : 475