responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 472

هنا إلا لأمر دقيق لا يشعر به كثير من المؤمنين العلماء و قد نبه اللّٰه عليه لمن أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ و ذلك أن المنافقين هنا إِذٰا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قٰالُوا آمَنّٰا لو قالوا ذلك حقيقة لسعدوا وَ إِذٰا خَلَوْا إِلىٰ شَيٰاطِينِهِمْ قٰالُوا إِنّٰا مَعَكُمْ لو قالوا ذلك و سكتوا ما أثر فيهم الذم الواقع و إنما زادوا إِنَّمٰا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين فما أخذوا إلا بما أقروا به و إلا لو أنهم بقوا على صورة النفاق من غير زيادة لسعدوا أ لا ترى اللّٰه لما أخبر عن نفسه في مؤاخذته إياهم كيف قال اَللّٰهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فما أخذهم بقولهم إِنّٰا مَعَكُمْ و إنما أخذهم بما زادوا به على النفاق و هو قولهم إِنَّمٰا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ و ما عرفك اللّٰه بالجزاء الذي جازى به المنافق إلا لتعلم من أين أخذ من أخذ حتى تكون أنت تجتنب موارد الهلاك و

قد قال ع إن مداراة الناس صدقة فالمنافق يداري الطرفين مداراة حقيقة و لا يزيد على المداراة فإنه يجني ثمرة الزائد كان ما كان فتفطن فقد نبهتك على سر عظيم من أسرار القرآن و هو واضح و وضوحه إخفاء و انظر في صورة كل منافق تجده ما أخذ إلا بما زاد على النفاق و بذلك قامت عليه الحجة و لو لم يكن كذلك الحشر على الأعراف مع أصحاب الأعراف و كان حاله حال أصحاب الأعراف وَ لٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللّٰهُ أَمْراً كٰانَ مَفْعُولاً فالمؤمن المداري منافق و هو ناج فاعل خير فإنه إذا انفرد مع أحد الوجهين أظهر له الاتحاد به و لم يتعرض إلى ذكر الوجه الآخر الذي ليس بحاضر معه فإذا انقلب إلى الوجه الآخر كان معه أيضا بهذه المثابة و الباطن في الحالتين مع اللّٰه فإن المقام الإلهي هذه صورته فإنه لعباده بالصورتين فنزه نفسه و شبه فالمؤمن الكامل بهذه المثابة و هذا عين الكمال فاحذر من الزيادة على ما ذكرته لك و كن متخلقا بأخلاق اللّٰه و قد قال تعالى لنبيه ص ممتنا عليه فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ و اللين خفض الجناح و المداراة و السياسة أ لا ترى إلى الحق تعالى يرزق الكافر على كفره و يمهل له في المؤاخذة عليه و قال عز و جل لموسى و هارون في حق فرعون فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً و هذه عين المداراة فإنه يتخيل في ذلك إنك معه و من هذا المقام لما ذقته و اتحدت به اتفق لي أني صحبت الملوك و السلاطين و ما قضيت لأحد من خلق اللّٰه عند واحد منهم حاجة إلا من هذا المقام و ما زدني أحد من الملوك في حاجة التمستها منه لأحد من خلق اللّٰه و ذلك أني كنت إذا أردت أن أقضي عنده حاجة أحد أبسط له بساطا استدرجه فيه حتى يكون الملك هو الذي يسأل و يطلب قضاء تلك الحاجة مسارعا على الفور بطيب نفس و حرص لما يرى له فيها من المنفعة فكنت أقضي للسلطان حاجة بأن أقبل منه قضاء حاجة ذلك الإنسان و لقد كلمت الملك الظاهر بأمر اللّٰه صاحب حلب في حوائج كثيرة فقضى لي في يوم واحد مائة حاجة و ثمان عشرة حاجة للناس و لو كان عندي في ذلك اليوم أكثر من هذا قضاء طيب النفس راغبا و إذا حصل للإنسان هذه القوة انتفع به الناس عند الملوك فما في العالم أمر مذموم على الإطلاق و لا محمود على الإطلاق فإن الوجوه و قرائن الأحوال تقيده فإن الأصل التقييد لا الإطلاق فإن الوجود مقيد بالضرورة و لذلك يدل الدليل على إن كل ما دخل في الوجود فإنه متناه فالإطلاق الصحيح إنما يرجع لمن في قوته إن يتقيد بكل صورة و لا يطرأ عليه ضرر من ذلك التقييد و ليس هذا إلا لمن تحقق بالمداراة و هو الإمعة و اللّٰه عز و جل يقول وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ فهي أشرف الحالات لمن عرف ميزانها و تحقق بها و هو واحد و أين ذلك الواحد

إلا إن النفاق هو النفاق إليه إذا تحققت المساق
فكن فيه تكن بالحق صرفا و تحمده إذ شد الوثاق
إذا ما كنت معتمد الشيء فأنت له إذا فكرت ساق
على العمد الذي قد غاب عنا إذا ما كنت تعتمد الطباق
فكن ذاك العماد تكن إماما فيظهر عندك الدين الوفاق
فتدبر القرآن من كونه فرقانا و قرآنا فللقرآن موطن و للفرقان موطن فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن و المواطن شهداء عدل عند اللّٰه فإنها لا تشهد إلا بصدق و قد نصحتك فاعمل و اللّٰه الموفق قلنا و في هذا المنزل من العلوم علم دقيق خفي لا يشعر به لخفائه مع ظهوره فإن العلماء بالله قد علموا شمول الرحمة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 472
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست