responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 471

اللّٰهَ رَمىٰ فالعين التي أدركت بها إن الرمي لله غير العين التي أدركت بها إن الرمي لمحمد ص فتعلم إن لك عينين إن كنت صاحب علم فتعلم قطعا إن الرامي هو اللّٰه في صورة محمدية جسدية و ليس التمثل و التخيل غير هذا فالله قد نبهك و أنت لا تتنبه و هذه هي الآيات التي جعلها اللّٰه لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عنه و يتفكرون فيها و ذكرى لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ يتقلب ف‌ أَلْقَى السَّمْعَ لما قيل له و عرف به وَ هُوَ شَهِيدٌ لتقلبه في نفسه فيعلم إن الأمر كذلك و هؤلاء هم أولو الألباب فإن اللب يحجبه صورة القشر فلا يعلم اللب إلا من علم إن ثم لبا و لو لا ذلك ما كسر القشر فقد امتزج الأمر و ما اختلطت الحقائق و بذلك يميز الفاضل من المفضول فيتنعم العالم بعلمه به و ينعم الجاهل بجهله به و لا يعلم أنه جاهل به لأنه لا يعلم أن الأمر الذي هو على خلاف ما يعلمه أنه على خلاف ما يعلمه بل يقول ما ثم إلا هذا و لو علم إن ثم خلاف ما يعلمه و ما أدركه لتنغص كما يتنغص في الدنيا كل متنغص لما فاته مما يقتضيه مقامه من التاجر في تجارته و الفقيه في فقهه و كل عالم في طوره فتحقيق قوله عموما كُلُّ حِزْبٍ بِمٰا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ إنما ذلك في الآخرة بخلاف الدنيا فإنه لا يعلم في الدنيا بل هو في الكثير من غير عموم فإن الإنسان لا يفرح بما عنده من العلم بما هو به متصور قبل حصوله فإنه منتظر إياه فهو في أ لم فإذا حصل عنده أيضا لم يفرح به و مال الكل في الآخرة بعد انقضاء مدة المؤاخذة إلى الفرح بما عنده و بما هو عليه و هذا المنزل هو منزل خلق اللّٰه آدم على صورته و من جعل على صورة أمر ما فكان ذلك الأمر هو عين هذه الصورة فهو هو لا هو و بهذا صح وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ فكل ما يظهر من تلك الصورة فأصله ممن هي عليه فلا يصح له أن يبقى عن كل ما يظهر منها و لهذا جاء وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يعني الذي هو عليه العالم بأسره و لهذا وصف الحق نفسه على ألسنة رسله بما وصف به العالم كله قدما بقدم ما اختل شيء من ذلك و لا أخل به

فعين الخلق عين الحق فيه فلا تنكر فإن الكون عينه
فإن فرقت فالفرقان باد و إن لم فاعتبر فالبين بينه
و لما قال إنه جعلك على الصورة علم أنه لا بد لك من الدعوى بالملك لما أنت عليه كما أنه ذو ملك و ليس لك ملك أقرب من نفسك و هي التي تدعى الملك لأنها على صورة من له الملك فعمد إليها من كونها مؤمنة من اسمه المؤمن فاشترى من المؤمن نفسه فبقي المؤمن لا نفس له كسائر الحيوان فلم يبق من يدعي ملكا فصار الملك لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ و زال الاشتراك فالمؤمن لا نفس له فلا دعوى له في الملك فكل مؤمن ادعى ملكا حقيقة فليس بمؤمن فإن المؤمن من باع نفسه فما بقي له من يدعي لأن نفسه كانت صاحبة الدعوى لكونها على صورة من له الدعوى بالملك حقيقة و هو اللّٰه تعالى فاحفظ نفسك يا أخي من دعوى تسلب عنك الايمان فإياك إن تحامي عن نفسك التي كانت لك و إذا عزمت على أن تحامي عنها فحام عنها بحضور و علم على أنها نفس الحق لا نفسك و من هناك يحازيك ربك فإنك صادق و مؤثر و درجة الإيثار قد علمت ما تقتضيه عند اللّٰه من الرفعة فاعمل على ذلك فإذا علمت هذا

[إن للإنسان وجهين وجها إلى ذاته و وجها إلى ربه]

فاعلم إن للإنسان وجهين وجها إلى ذاته و وجها إلى ربه و مع أي وجه توجهت إليه غبت عن الآخر غير إن هنا لطيفة أنبهك عليها و ذلك إنك إذا توجهت إلى مشاهدة وجهك غبت من وجه ربك ذي الجلال و الإكرام و وجهك هالك فإذا انقلبت إليه فنى عنك وجهك فصرت غريبا في الحضرة تستوحش فيها و تطلب وجهك الذي كنت تأنس به فلا تجده و إن توجهت إلى وجه ربك و تركت وجهك أقبل عليك و لم يكن لك مؤنس سواه و لا مشهود إلا إياه فإذا انقلبت إليه الانقلاب الخاص الذي لا بد لكل إنسان منه وجدت من كان لك قبل هذا الانقلاب أنيسا و جليسا و صاحبا ففرحت بلقائه و عاد الأنس أعظم و تتذكر الأنس الماضي فتزيد أنسا إلى أنس و ترى عنده وجه ذاتك و لا تفقده فتجمع بين الوجهين في صورة واحدة فيتحد الأنس لاتحاد الوجهين فيعظم الابتهاج و السرور و هذه حالة برزخية بين حالتين لكونها جمعت بين الطرفين فمن جمع بينهما في الدنيا حرم ذلك في الآخرة كالمنافق فإنه برزخ بين المؤمن و الكافر فإذا انقلب تخلص إلى أحد الطرفين و هو طرف الكفر و لم يتخلص للإيمان فلو تخلص هنا إلى الايمان و لم يكن برزخا كان إذا انقلب إلى اللّٰه كما ذكرناه من جمعه بين الطرفين فاحذر هنا من صفة النفاق فإنها مهلكة و لها في سوق الآخرة نفاق اقتضى ذلك الموطن و ما أخذ المنافق

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 471
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست