responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 473

و المؤمنون قد علموا اتساعها ثم يرونها مع الشمول و الاتساع ما لها صورة في بعض المواطن و مع كونها ما لها صورة ظاهرة في بعض المواطن فإن الحكم لها في ذلك الموطن الذي ما لها فيه صورة و لا يكون لها حكم إلا بوجودها و لكن هو خفي لبطونها جلي لظهور حكمها و أكثر ما يظهر ذلك في صنعة الطب و إقامة الحدود فالله يقول في إقامة الحدود في حد الزاني و الزانية وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ فهذا عين انتزاع الرحمة بهم و إقامة الحدود من حكم الرحمة و ما لها عين ظاهرة و كالطب إذا قطع الطبيب رجل صاحب الأكلة فإن رحمه في هذا الموطن و لم بقطع رجله هلك فحكم الرحمة حكم بقطع رجله و لا عين لها فللرحمة موطن تظهر فيه بصورتها و لها موطن تظهر فيه بحكمها فيتخيل أنها قد انتزعت من ذلك المحل و ليس كذلك و في الأحكام الشرعية في هذه المسألة خفاء إلا لمن نور اللّٰه بصيرته فإن القاتل ظلما قد نزع اللّٰه الرحمة من قلبه في حق المقتول و هو تحت حكم الرحمة في قتله ظلما و بقي حكمها في القاتل فأما إن يقاد منه و إما أن يموت فيكون في المشيئة و إن كان القائل كافرا فأما إن يسلم فتظهر فيه الرحمة بصورتها و حيثما كانت الرحمة بالصورة كانت بالحكم و قد تكون بالحكم و لا تكون بالصورة و فيه علم غريب و هو علم تقييد الحق بانتزاح الكون عنه مع كونه في قبضته و تحت سلطانه و ملكه و فيه علم السياسة في الدعوة إلى اللّٰه فإن صورتها من الداعي تختلف باختلاف صورة المدعو فثم دعاء بصفة غلظة و قهر و ثم دعاء بصفة لين و عطف و فيه علم عموم العهد الإلهي الذي أخذه على بنى آدم و فيه علم الجولان في الملكوت حسا و خيالا و عقلا بثلث النشأة الإلهية فإن النشأة الإنسانية لما أنشئت ممتزجة من الأخلاط أشبهت السنة في فصولها و ليس كمال الزمان إلا بفصول السنة ثم يعود الدور فالإنسان من حيث أخلاطه سنة فهو عين الدهر الذي هو الزمان فله جولان في الملكوت بأحد ثلاثة أمور أو بكلها أو ببعضها فأما أن يجول بحسه و هو الكشف و إما أن يجول بعقله و هو حال فكره و تفكره و إما أن يجول بخياله و السنة اثنا عشر شهرا فلكل حقيقة من هذه النشأة المشبهة بالسنة ثلث السنة فلها التثليث في التربيع و لها التربيع في التثليث فأما تثليثها في التربيع فهو ما ذكرناه من تقسيمها على ثلاثة من حس و خيال و عقل في تربيع أخلاطها و أما تربيعها في التثليث فإن حكم الأخلاط بكمالها في كل قسم من الأقسام الثلاثة و هي أربعة فلتربيعها حكم في الحس و حكم في الخيال و حكم في العقل و لا يشعر بذلك إلا أهل الحضور الناظرون الآيات في أنفسهم و فيه علم جهل الإنسان عند مسابقته لله و حجتنا

قوله تعالى بادرني عبدي نفسه فيمن قتل نفسه و القول بهذا السياق هو قول أهل النظر في التشبه بالإله جهد الطاقة و أن ذلك إذا وجد هو الكمال و هذا عندنا هو عين الجهل أن يسابق الحق فيما هو له بما هو لي فإنه من المحال أن تسابقه بما هو له فإن الشيء لا يسابق نفسه و من المحال أن تسابقه بما هو لي فإنه ما ثم غاية يسابق إليها فيكون عمل في غير معمل و طمع في غير مطمع و من كان في هذه الحال فلا خفاء بجهله لو عقل نفسه و فيه علم الإعلام الإلهي في المادة الإلهية بما ذا يكون و ما ذا يقع في إسماع السامعين من ذلك الإعلام هل يقع في كل سمع على حد واحد أو يختلف تعلق السمع عند ذلك الإعلام و فيه علم المعاملة مع الخلق على اختلاف أصنافهم بما يسرهم منك لا بما يسوءهم و هو علم عزيز صعب التناول و دقيق الوزن مجهول الميزان يحتاج صاحبه إلى كشف و حينئذ يحصل له و فيه علم ما حكم أصحاب الآجال إذا انتهت آجالهم هل يؤخرون بعد ذلك الانتهاء إلى أجل مسمى أو لا يكون لهم أجل أيضا ينتهون إليه و فيه علم ما يمكن أن يصح من الشروط و ما لا يمكن أن يصح منها و فيه علم إعطاء الأمان و لمن ينبغي أن يعطي فلا بد من علم الأحوال لهذا المتحكم و فيه علم تنوع الناس في أخلاقهم و ما هو المحمود من ذلك و ما هو المذموم منها و فيه علم علم الملائكة بالله الذي لا يعلمه أحد من البشر حتى يتجرد عن بشريته و يتجرد عن حكم ما فيه للطبيعة من حيث نشأته حتى يبقى بما فيه إلا الروح المنفوخ فحينئذ يتخلص إلى العلم بالله من حيث تعلمه الملائكة فيقوم في عبادته ربه مقام الملائكة في عبادتهم لله و هي العلامة فيمن ادعى أنه يعلم اللّٰه بصورة ما تعلمه الملائكة فمن ادعى ذلك من غير هذه العلامة فدعواه زور و بهتان فإن للملائكة علما بالله تعالى يعم الصنف و علما خالصا لكل ملك بالله لا يكون لغيره فنحن ما نطالبه في دعواه إلا بالعلم العام و هذه العلامة معلومة عندنا ذوقا لا نذكرها لأحد لئلا يظهر بها في وقت و هو

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 473
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست