responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 44

الأصل و هو قوله تعالى اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّٰاكَ فَعَدَلَكَ و هي هذه النشأة الظاهرة ثم قال فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَكَّبَكَ أي هذه النشأة المسواة المعدلة قابلة لجميع الصور فيجليه اللّٰه تعالى في أي صورة شاء فأعلمنا أن هذه النشأة تعطي القبول لأي صورة كانت و كذلك قوله ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ بعد الفراغ من تسوية صورة الإنسان الظاهر فعين له صورة من الصور التي في قوته و تركيبه أن يقبلها فإذا علم الإنسان بالكشف الإلهي أنه على أصل و حقيقة تقبل الصور فيتعمل في تحصيل أمر يتوصل به إلى معرفة الأمر فإذا فتح له فيه ظهر في عالم الشهادة في أي صورة من صور عالم الشهادة شاء و ظهر في عالم الغيب و الملكوت في أي صورة من صوره شاء غير أن الفرق بيننا و بين عالم الغيب إن الإنسان إذا تروحن و ظهر للروحانيين في عالم الغيب يعرفون أنه جسم تروحن و الناس في عالم الشهادة إذا أبصروا روحا تجسد لا يعلمون أنه روح تجسد ابتداء حتى يعرفوا بذلك كما

قال ع حين دخل عليه الروح الأمين في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر قال الراوي لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول اللّٰه ص فأسند ركبتيه إلى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه و ذكر حديث سؤاله إياه عن الإسلام و الايمان و الإحسان و الساعة و ما لها من الشروط فلما فرغ من سؤاله قام ينصرف فلما غاب قال النبي ص لأصحابه أ تدرون من الرجل و في رواية ردوا على الرجل فالتمس فلم يجدوه فقال ص هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم غير أن بعض الناس يعرفون الروحاني إذا تجسد من خارج من غيره من الناس أو من جنس تلك الصورة التي يظهر فيها و ما كل أحد يعرف ذلك و يفرقون أيضا بين الصورة الروحانية المعنوية المتجسدة و بين الصورة الممثلة من داخل بعلامات يعرفونها و قد علمتها و تحققتها فإني أعرف الروح إذا تجسد من خارج أو من داخل من الصورة الجسمية الحقيقية و العامة لا تعرف ذلك و الملائكة كلهم يعرفون الإنسان إذا تروحن و ظهر فيهم بصورة أحدهم أو بصورة غريبة لم يروا مثلها فيزيدون على عامة البشر بهذا و ينقصهم أن يظهروا في عالمهم على صور بعضهم كما نظهر في عالمنا إذا كان لنا هذا المقام في صورة جنسنا فسبحان العليم الحكيم مقدر الأشياء و القادر عليها لا إله إلا هو العليم القدير

[العلم الإلهي في التجلي الإلهي]

و اعلم أن أصل هذا الأمر الذي ذكرته في هذه المسألة إنما هو من العلم الإلهي في التجلي الإلهي فمن هناك ظهر هذا الأمر في عالم الغيب و الشهادة إذ كان العالم بجملته و الإنسان بنسخته و الملك بقوته على صورة مقام التجلي في الصور المختلفة و لا يعرف حقيقة تلك الصور التي يقع التحول فيها على الحقيقة إلا من له مقام التحول في أي صورة شاء و إن لم يظهر بها و ليس ذلك المقام إلا للعبد المحض الخالص فإنه لا يعطيه مقام العبودية أن يتشبه بشيء من صفات سيده جملة واحدة حتى أنه يبلغ من قوته في التحقق بالعبودية أنه يفنى و ينسى و يستهلك عن معرفة القوة التي هو عليها من التحول في الصور بحيث أن لا يعرف ذلك من نفسه تسليما لمقام سيده إذ وصف نفسه بذلك و لو لا هذا الأصل الإلهي و أن الحق له هذا و هو في نفسه عليه ما صح أن تكون هذه الحقيقة في العالم إذ يستحيل أن يكون في العالم أمر لا يستند إلى حقيقة إلهية في صورته التي يكون عليها ذلك الأمر و لو كان لكان في الوجود من هو خارج عن علم اللّٰه فإنه ما علم الأشياء إلا من علمه بنفسه و نفسه علمه و نحن في علمه كالصور في الهباء لو كنت تعلم يا فتى من أنت علمت من هو إذ لا يعلم اللّٰه إلا من يعلم نفسه

قال ص من عرف نفسه عرف ربه فالحق علمك من نفسه و أعلمك أنك لا تعرفه إلا من نفسك فمن تفطن لهذا المعنى علم ما تقول و ما نومئ إليه فأما حديث التجلي يوم القيامة فأنا أورده إن شاء اللّٰه كما ورد في الصحيح و ذلك أنه

خرج مسلم عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول اللّٰه ص قالوا يا رسول اللّٰه هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول اللّٰه ص نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ليس معها سحاب و هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول اللّٰه قال كذلك لا تضارون في رؤية اللّٰه تبارك و تعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللّٰه من الأصنام و الأنصاب إلا و يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّٰه من بر و فاجر و غير أهل الكتاب قال فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيرا و نقول إنه ابن اللّٰه فيقال لهم كذبتم ما اتخذ اللّٰه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست