responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 43

آتيك بدواء من عند هذا الرجل قال فتبسم و قال لي رح إليه قال فجئت إليه و لم يكن يعرفني قبل ذلك و لا كنت أنا على حالة و بزة توجب تعظيمي فمشيت إليه و أنا خائف إن يردني أو ينتهرني لما كان فيه من الشغل فوقفت على رأسه بين الناس فلما وقعت عينه علي قام إلي و أقعدني و سلم علي بفرح و بسط و تبشبش و قال ما حاجتك فقلت له عن حال الشيخ و مرضه فاستدعى بالدواء من الوكيل على أكمل ما يمكن و اعتذر و قال لي تعنيت و هلا بعثت إلي في ذلك و قمت أخرج من الخيمة فقام لقيامى و مشت المشاعل بين يدي فودعته بعد ما مشى معي خطوات و أمر المشاعلي أن يمشي بالضوء أمامي فقلت له ما الحاجة و خفت من الشيخ أن يعز ذلك عليه فرجع المشاعلي و جئت فوجدت الشيخ على حاله كما تركته فقال لي ما فعلت فقلت له ببركتك أكرمني و هو لا يعرفني و لا أعرفه و وصفت له تفصيل ما كان منه فتبسم الشيخ و قال لي يا حامد أنا أكرمتك ما كان الخادم الذي أكرمك لا شك أني رأيتك كثير الجزع علي لعلتى فأردت إن أريح سرك فأمرتك إن تمشي إليه و خفت عليك منه لئلا يفعل معك ما يفعله مع الناس من الإهانة و الطرد فترجع منكسرا فتجردت عن هيكلي و تصورت لك في صورته فأكرمتك و عظمت قدرك و فعلت معك ما رأيت إلى أن انفصلت و هذا دواؤك لا أستعمله فبقيت مبهوتا فقال لي لا تعجل ارجع إليه و انظر إلى ما يفعل بك قال فجئت إليه و سلمت عليه فلم يقبل علي و طردت فذهبت متعجبا فرجعت إلى الشيخ فقصصت إليه ما جرى لي فقال ما قلت لك فقلت له عجبا كيف رجعت خادما أسود فقال الأمر كما رأيت و مثل هذه الحكاية عن الرجال كثير و هذا يشبه علم السيمياء و ليس بعلم السيمياء و الفرق بيننا في هذا المقام و بين علم السيمياء إنك إذا أكلت بالسيمياء أكلت و لا تجد شبعا و الذي يقبض عندك مما تقبضه من هذا العلم أنما ذلك في نظرك ثم تطلبه فلا تجده و إذا أراك صاحب هذا العلم السيماوي تدخل الحمام ثم ترجع إلى نفسك لا ترى لذلك حقيقة بل كل ما تراه بطريق السيمياء إنما هو مثل ما يرى النائم فإذا انتبه لم يجد شيئا مما رآه فإن صاحب علم السيمياء له سلطان و تحكم على خيالك بخواص الأسماء أو الحروف أو القلقطيرات فإن السيمياء لها ضروب أكثفها القلقطيرات و ألطفها التلفظ بالكلام الذي يخطف به بصر الناظر عن الحس و يصرفه إلى خياله فيرى مثل ما يرى النائم و هو في يقظته و هذا المقام الذي ذكرناه ليس كذلك فإنك إن أكلت به شبعت و إن مسكت فيه شيئا من ذهب أو ثياب أو ما كان بقي معك على حاله لا يتغير و قد وجدنا هذا المقام من نفوسنا و أخذناه ذوقا في أول سلوكنا مع روحانية عيسى ع و لهذا

قال ع و قد نهى عن الوصال فقيل له إنك تواصل فقال ص لست كهيئتكم إني أبيت معي مطعم يطعمني و ساق يسقيني و في رواية يطعمني ربي و يسقيني فلم يكن في تلك الجماعة التي خاطبها في ذلك الوقت من له هذا المقام و لم يقل لست كهيئة الناس فكان إذا أكل شبع و واصل على قوة معتادة و لما كان الأكل في حضرة الخيال لا في حضرة الحس صح أن يكون مواصلا و قد رأينا أن جبريل ظهر في صورة الحس رجلا معروفا كظهوره في صورة دحية و في وقت رجلا غير معروف و لم يبلغنا أنه ظهر في عالم الغيب في الملائكة في صورة غيره من الملائكة فجبريل لا يظهر في الملائكة و في عالم الغيب في صورة ميكائيل أو إسرافيل و لهذا قال تعالى عنه وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ و قد رأينا من له قوة التمثل من البشر يظهر في البشر في صورة بشر آخر غير صورته فيظهر زيد في صورة عمرو و ليس للملك ذلك في عالم الغيب و كما ظهر جبريل في صورة البشر يظهر الإنسان في عالم الغيب عند الملائكة في صورة ملك من الملائكة أي صورة ملك شاء و أعجب من هذا أن بعض الرجال من المحبين من أهل هذه الطريقة دخل على شيخ فتكلم له الشيخ في المحبة و قد رآه بعض الحاضرين قد دخل عليه فما زال ذلك المحب يذوب في نفسه حسا من كلام ذلك الشيخ في المحبة لقوة تحقق ذلك المحب إلى أن رجع بين يدي ذلك الشيخ كفا من ماء فدخل عليه رجال فسألوه عن ذلك المحب أين هو فإنا ما رأيناه خرج فقال هذا الماء هو ذلك المحب الذي بين يدي فنظروا إلى ماء قليل على الحصير بين يدي الشيخ فانظر كيف رجع إلى أصله الذي خلق منه فيا ليت شعري أين تلك الأجزاء

[إذا علم الإنسان أنه على أصل و حقيقة تقبل الصور]

فاعلم إن الإنسان في هذا الطريق يعطي من القوة ما يظهر به في هذه النشأة كما يظهر في النشأة الآخرة التي يظهر فيها على أي صورة شاء فإن هذا في أصل هذه الصورة الدنياوية و لكن لا يصل كل واحد إلى معرفة هذا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 43
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست