responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 392

ظهرت في أعيننا مظلمة كما يخرج اللبن مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خٰالِصاً سٰائِغاً لِلشّٰارِبِينَ تخزنه ضروع مواشيهم و إبلهم لهم كما يخرج من بطون النحل شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ و اللّٰه يقول اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ و لو لا النور ما ظهر للممكنات عين و

قول رسول اللّٰه ص في دعائه اللهم اجعل في سمعي نورا و في بصري نورا و في شعري نورا حتى قال و اجعلني نورا و هو كذلك و إنما طلب مشاهدة ذلك حتى يظهر للابصار فإن النور المعنوي خفي لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ فأراد رسول اللّٰه ص أن يدرك بالحس ما أدركه بالإيمان و العقل و ذلك لا يظهر إلا لأرباب المجاهدات

النار في أحجارها مخبوءه لا تصطلي ما لم تثرها الأزند
فنحن نعلم أن ثم نار أو لا نرى لها تسخينا في الحجر و لا إحراقا في المرخ و العفار و هكذا جميع الموجودات لمن نظر و استبصر أو من شاهد فاعتبر فالحق مخبوء في الخلق من كونه نورا فإذا قدحت زناد الخلق بالفكر ظهر نور الحق

من عرف نفسه عرف ربه فمن عرف القدح و ميز الزناد فالنار عنده فهو عَلىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ متى شاء أظهرها فهو الظاهر و متى شاء أخفاها فهو الباطن فإذا بطن ف‌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و إذا ظهر ف‌ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فالقادح ما جاء بنور من عنده فالحق معنا أينما كنا في عدم أو وجود فبمعيته ظهرنا فنحن ذو نور و لا شعور لنا

فلله ما لله من عين كوننا و للكون ما للكون من نور ذاته
فنحن كثير و المهيمن واحد توحد في أسمائه و صفاته
و إنما قلنا نحن كثير و هو واحد لأن الأزند كثير و النار من كل زناد منها واحد العين فسواء كان الزناد حجرا أو شجرا و لهذا اختلفت المقالات في اللّٰه و المطلوب واحد فكل ما ظهر لكل طالب فليس إلا اللّٰه لا غيره فالكل منه بدأ و إليه يعود و إنما سمي طالب النار في الزناد قادحا لأن طلب الحق من الخلق ليعرف ذاته قدح في العلم الصحيح بذاته فإنه لا يعلم منه إلا المرتبة و هي كونه إلها واحدا خاصة فإن رام العلم بذاته و هي المشاهدة و لا تكون المشاهدة إلا عن تجليه و لا يكون ذلك إلا بالقدح فيه فإنك لا تراه إلا مقيدا قيده عقلك بنظره و تجلى لك في صورة تقييدك و هذا قدح فيما هو عليه في نفس الأمر و لو لا ما أنت في نفسك ذو نور عقلي ما عرفته و ذو نور بصري ما شهدته فما شهدته إلا بالنور و ما ثم نور إلا هو فما شهدته و لا عرفته إلا به فهو نور السموات من حيث العقول و الأرض من حيث الأبصار و ما جعل اللّٰه عز و جل صفة نوره إلا بالنور الذي هو المصباح و هو نور أرضي لا سماوي فشبه نوره بالمصباح و رؤيتنا إياه كرؤيتنا الشمس و القمر أي و إن كان كالمصباح فإنه يعلو في الرؤية و الإدراك عن رؤية المصباح فهو بنفسه أرضى لأنه لو لا نزوله إلينا ما عرفناه و هو بالرؤية سماوي فانظر ما أحكم علم الشارع بالله أين هو من نظر العقل و لهذا قال لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ لأنه نور و النور لا يدرك إلا بالنور فلا يدرك إلا به وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ لأنه نور وَ هُوَ اللَّطِيفُ لأنه يلطف و يخفى في عين ظهوره فلا يعرف و لا يشهد كما يعرف نفسه و يشهدها اَلْخَبِيرُ علم ذوق و ما قال لا تدركه الأنوار

فلو لا النور لم تشهده عين و لو لا العقل لم يعرفه كون
فبالنور الكوني و الإلهي كان ظهور الموجودات التي لم تزل ظاهرة له في حال عدمها كما هي لنا في حال وجودها فنحن ندركها عقلا في حال عدمها و ندركها عينا في حال وجودها و الحق يدركها عينا في الحالين فلو لا إن الممكن في حال عدمه على نور في نفسه ما قبل الوجود و لا تميز عن المحال فبنور إمكانه شاهده الحق و بنور وجوده شاهده الخلق فبين الحق و الخلق ما بين الشهودين فالحق نور في نور و الخلق نور في ظلمة في حال عدمه و أما في حال وجوده فهو نور على نور لأنه عين الدليل على ربه و ما يحتمل هذا الوصل أكثر من هذا فإن فيه مكرا خفيا لعدم المثل للحق و لا يتمكن أن يشهد و يعلم إلا بضرب مثل و لهذا جعل لنا مثل نوره في السموات و الأرض كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ الزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ ثم قال نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ من هذين النورين فيعلم المشبه و المشبه به مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ فجعله ضرب مثل للتوصيل و يجوز في ضرب الأمثال المحال الذي لا يمكن وقوعه فكما لا يكون المحال الوجود وجودا بالفرض كذلك

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 392
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست