responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 393

لا يكون الخلق حقا بضرب المثل فما هو موجود بالفرض قد لا يصح أن يكون موجودا بالعين و لو كان عين المشبه ضرب المثل لما كان ضرب مثل إلا بوجه فلا يصح أن يكون هنا ما وقع به التشبيه و ضرب المثل موجودا إلا بالفرض فعلمنا بضرب هذا المثل إننا على غاية البعد منه تعالى في غاية القرب أيضا و لهذا قبلنا ضرب المثل فجمعنا بين البعد و القرب و تسمى لنا بالقريب و البعيد فكما هو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هو أقرب مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فهو القريب بالمثل البعيد بالصورة لأن فرض الشيء لا يكون كهو و لا عين الشيء و في هذا الوصل إفاضة الحاج من عرفة إلى جمع و من جمع إلى مني فإن إفاضة عرفات ليلا و إفاضة جمع نهار الصائم و إن شئت قلت نهارا من غير إضافة و الحج يجمع ذلك كله فقبل تفصيل اليوم الزماني الذي هو الليل و النهار كما إن فيه ما يشوش العقول عن نفوذ نورها إلى رؤية المطلوب و هو حجاب لطيف لقربه من المطلوب فإن الشوق أبرح ما يكون إذا أبصر المحب دار محبوبه قال الشاعر

و أبرح ما يكون الشوق يوما إذا دنت الديار من الديار
فمن أعجب الأمور أن بالإنسان استتر الحق فلم يشهد و بالإنسان ظهر حتى عرف فجمع الإنسان بين الحجاب و الظهور فهو المظهر الساتر و هو السيف الكهام الباتر يشهد الحق منه ذلك لأنه على ذلك خلقه و يشهد الإنسان من نفسه ذلك لأنه لا يغيب عن نفسه و إنه مريد للاتصال بما قد علم أنه لا يتصل به فهو كالحق في أمره من أراد منه أن يأمره بما لا يقع منه فهو مريد لا مريد فلو لا ما هو الحق صدفة أعياننا ما كنا صدفة عين العلم به و في الصدف يتكون اللؤلؤ فما تكونا إلا في الوجود و ليس الوجود إلا هو و لكنه ستر علينا ستر حفظ ثم أظهرنا ثم تعرف إلينا بنا و أحالنا في المعرفة به علينا فإذا علمنا بنا سترنا على علمنا به فلم يخرج الأمر عن صدف ساتر لؤلؤ و لكن تارة و تارة

فذلك التبر و نحن الصدى و ما لنا كون بغير الندا
فمن يناديه يكن كأنه و ليس ذاك الكون منه ابتدا
لأنه يحدث عن قوله و قوله كن لا يكون سدى
فمنه كنا و به قد بدا هذا الذي في عينه قد بدا
فهو الندى ليلا كما كنته كما أنا منه نهارا سدى
و إن تشأ عكس الذي قلته فإنه الليل و نحن الندى
وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

«الوصل السادس عشر»من خزائن الجود

اعلم أن اللّٰه تعالى ما خلق شيئا من الكون إلا حيا ناطقا جمادا كان أو نباتا أو حيوانا في العالم الأعلى و الأسفل مصداق ذلك قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كٰانَ حَلِيماً فلم يعجل عليكم بالعقوبة غَفُوراً ساترا تسبيحهم عن سمعكم فكل شيء في عالم الطبيعة جسم متغذ حساس فهو حيوان ناطق بين جلي و خفي في كل فصل فصل من فصول هذا الحد فكل ما نقص منه في حد محدود فذلك النقص هو ما خفي منه في حق بعض الناس و ما ظهر منه فهو الجلي و لذلك اختلفت الحدود في الجماد و النبات و الحيوان و الإنسان و الكل عند أهل الكشف حيوان ناطق مسبح بحمد اللّٰه تعالى و لما كان الأمر هكذا جاز بل وقع و صح أن يخاطب الحق جميع الموجودات و يوحي إليها من سماء و أرض و جبال و شجر و غير ذلك من الموجودات و وصفها بالطاعة لما أمرها به و بالإباءة لقبول عرضه و أسجد له كل شيء لأنه تجلى لكل شيء و أوحى إلى كل شيء بما خاطب ذلك الشيء به فقال للسماء و الأرض اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ ف‌ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا و الأرض كذلك أوحى لها وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ و أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ يعني محمدا بالخطاب ص رُوحاً مِنْ أَمْرِنٰا فعم وحيه الجميع و لكن بقي من يطيع و من لا يطيع و كيف فضل السميع للسميع فمن أعجب الأشياء وصف السامع بالصمم و البصير بالعمى و المتكلم بالبكم فما عقل و لا رجع و إن فهم

فالجحد من صفة النفوس إذا أبت كالنار تحرق بالقبول و إن خبت

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 393
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست