responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 391

و ما قرن اللّٰه قط بالمآب إليه سوء تصريحا و غاية ما ورد في ذلك في معرض التهديد في الفهم الأول وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فسيعلمون من كرم اللّٰه مٰا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ قبل المؤاخذة لمن غفر له و بعد المؤاخذة لانقطاعها عنهم فرحمته واسعة و نعمته سابغة جامعة و أنفس العالم فيها طامعة لأنه كريم من غير تحديد و مطلق الجود من غير تقييد و لذلك حشر العالم يوم القيامة كَالْفَرٰاشِ الْمَبْثُوثِ لأن الرحمة منبثة في المواطن كلها فانبث العالم في طلبها لكون العالم على أحوال مختلفة و صور متنوعة الوجوه فتطلب بذلك الانبثاث من اللّٰه الرحمة التي تذهب منه تلك الصورة التي تؤديه إلى الشقاء فهذا سبب انبثاثهم في ذلك اليوم و كذلك الجبال الصلبة تكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ لما خرجت عنه من القساوة إلى اللين الذي يعطي الرحمة بالعباد و لا يدري ما قلناه إلا أهل الشهود و المتحققون بحقائق الوجود و أما من بقي مع ثقليته فإن الثقلين ما سماهما اللّٰه بهذا الاسم إلا ليميزهما به عمن سواهما دائما حيث كانا فلا تزال أرواحهما تدبر أجساما طبيعية و أجسادا دنيا و برزخا و آخرة و كذلك منازلهما التي يسكنونها من جنس نشأتهما فما لهما نعيم إلا بالمشاكل لطبعهما و أما القائلون بالتجريد فهم مصيبون فإن النفس الناطقة مجردة في الحقيقة عن هذه الأجسام و الأجساد الطبيعية و ما لها فيها إلا التدبير غير أنهم ما عرفوا إن هذا التدبير لهذه النفوس دائما أبدا فهم مصيبون من هذا الوجه إن قصدوه مخطئون إن قالوا بأنها تنفصل عن التدبير فالنفوس الناطقة عندنا متصلة بالتدبير منفصلة بالذات و الحد و الحقيقية الشخصية فلا متصلة و لا منفصلة و التدبير لها ذاتي كمثل الشمس فإن لها التدبير الذاتي فيما تنبسط عليه أنوار ذاتها غير إن الفرق بين الشمس و القمر و الكواكب و أكثر الأسباب التي جعل اللّٰه فيها مصالح لعالم لذاتها لا علم لها بذلك و النفوس الناطقة و إن كان تدبيرها ذاتيا فهي عالمة بما تدبره فالنفوس الفاضلة منها التي لها الكشف تطلع على جزئيات ما هي مدبرة لها بذاتها و غير الفاضلة لا تعلم بجزئيات ذلك و قد تعلم و لا تعلم أنها تعلم و هكذا كل روح مدبرة فمن له التدبير للعالم هو الأعلم بجزئيات العالم و هو اللّٰه تعالى العالم بالجزء المعين و الكل مع التدبير الذاتي الذي لا يمكن إلا هو فالنفوس السعيدة مراكبها النفوس الحيوانية في ألذ عيش و أرغده يوم القيامة أعطاها ذلك الموطن كما أنها في أشد ألم و أضيق حبس إذا شقيت و حبست في المكان الضيق كما قال تعالى وَ إِذٰا أُلْقُوا مِنْهٰا يعني من جهنم مَكٰاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنٰالِكَ ثُبُوراً هذه الأحوال للنفوس الحيوانية و النفوس الناطقة ملتذة بما تعلمه من اختلاف أحوال مراكبها لأنها في مزيد علم بذلك إلهي مناسب أ لا ترى ذوقا هنا في شخصين لكل واحد منهما نفس ناطقة و نفس حيوانية فيطرأ على كل واحد من الشخصين سبب مؤلم فيتألم به الواحد و يتنعم به الآخر لكون الواحد و إن كان ذا نفس ناطقة فحيوانيته غالبة عليه فتبقى النفس الناطقة منه معطلة الآلة الفكرية النظرية و الآخر لم تتعطل نفسه الناطقة عن نظرها و فكرها و مشاهدتها و من أين قام بنفسها الحيوانية ذلك الأمر المؤلم حتى يوصلها ذلك إلى السبب الأول فتستغرق فيه فتتبعها في ذلك النفس الحيوانية فيزول عنها الألم مع وجود السبب و كلا الشخصين كما قلنا ذو نفس ناطقة و سبب مؤلم فارتفع الألم في حق أحد الشخصين و لم يرتفع في حق الآخر فإن الحيوان بنور النفس الناطقة يستضيء فإذا صرفت النفس الناطقة نظرها إلى جانب الحق تبعها نورها كما يتبع نور الشمس الشمس بغروبها و أفولها فتلتذ النفس الحيوانية بما يحصل لها من الشهود لما لم تره قبل ذلك فلا ألم و لا لذة إلا للنفوس الحيوانية إن كان كما ذكرناه فهي لذة علمية و إن كان عن ملاءمة طبع و مزاج و نيل غرض فلذة حسية و النفس الناطقة علم مجرد لا يحتمل لذة و لا ألما و يطرأ على الإنسان الذي لا علم له بالأمر على ما هو عليه في نفسه تلبيس و غلط فيتخيل إن النفس الناطقة لها التذاذ بالعلوم حتى قالوا بذلك في الجناب الإلهي و إنه بكماله مبتهج فانظر بذلك يا أخي ما أبعد هؤلاء من العلم بحقائق الأمور و ما أحسن

قول الشارع من عرف نفسه عرف ربه فلم ينسب إليه إلا ما ينسبه لنفسه فتعالى اللّٰه عز و جل عن أن يحكم عليه حال أو محل بل لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ عصمنا اللّٰه و إياكم من الآفات و بلغ بنا أرفع الدرجات و أبعد النهايات

«الوصل الخامس عشر»من خزائن الجود

و هو ما تخزنه الأجسام الطبيعية من الأنوار التي بها يضيء كونها و إن

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 391
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست