responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 390

عرف ربه كذلك من شهد نفسه شهد ربه فانتقل من يقين علم إلى يقين عين فإذا رد إلى ضريحه رد إلى يقين حق من يقين عين لا إلى يقين علم و من هنا يعلم الإنسان تفرقة الحق بإخباره الصدق بحق اليقين و عين اليقين و علم اليقين فاستقر عنده كل حكم في رتبته فلم تلتبس عليه الأشياء و علم أنه لم تكذبه الأنباء فمن عرف اللّٰه بهذا الطريق فقد عرف و علم حكمة تكوين الجوهر في الصدف عن ماء فرات في ملح أجاج فصدفته جسمه و ملحه طبيعته و لهذا ظهر حكم الطبيعة على صدفته فإن الملحة البياض و هو بمنزلة النور الذي يكشف به فتحقق بهذا الدليل وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ

«الوصل الرابع عشر»من خزائن الجود

يقرع الأسماع و يعطي الاستمتاع و يجمع بين القاع و اليفاع لما كان المقصود من العالم الإنسان الكامل كان من العالم أيضا الإنسان الحيوان المشبه للكامل في النشأة الطبيعية و كانت الحقائق التي جمعها الإنسان متبددة في العالم فناداها الحق من جميع العالم فاجتمعت فكان من جمعيتها الإنسان فهو خزانتها فوجوه العالم مصروفة إلى هذه الخزانة الإنسانية لترى ما ظهر عن نداء الحق بجميع هذه الحقائق فرأت صورة منتصبة القامة مستقيمة الحركة معينة الجهات و ما رأى أحد من العالم مثل هذه الصورة الإنسانية و من ذلك الوقت تصورت الأرواح النارية و الملائكة في صورة الإنسان و هو قوله تعالى فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا و

قول رسول اللّٰه ص و أحيانا يتمثل لي الملك رجلا فإن الأرواح لا تتشكل إلا فيما تعلمه من الصور و لا تعلم شيئا منها إلا بالشهود فكانت الأرواح تتصور في كل صورة في العالم إلا في صورة الإنسان قبل خلق الإنسان فإن الأرواح و إن كان لها التصور فما لها القوة المصورة كما للإنسان فإن القوة المصورة تابعة للفكرة التي هي صفة للقوة المفكرة فالتصور للأرواح من صفات ذات الأرواح النفسية لا المعنوية لا لقوة مصورة تكون لها إلا أنها و إن كان لها التصور ذاتيا فلا تتصور إلا فيما أدركته من صور العالم الطبيعي و لهذا كان ما فوق الطبيعة من الأرواح لا يقبلون التصور لكونهم لا علم لهم بصور الأشكال الطبيعية و ليس إلا النفس و العقل و الملائكة المهيمون دنيا و آخرة فما فوق الطبيعة لا يشهدون صور العالم و إن كان بعضهم كالنفس الكلي يعطي الإمداد بذاته لعالم الطبيعة من غير قصد كما تعطي الشمس ضوءها لذاتها من غير قصد منها لمنفعة أو ضرر و هذا معنى الذاتي لها و نسبة العلم و العمل نسبة ذاتية لها لعلمها بنفسها لا بما فوقها من علتها و غيرها و أما عملها فينسب إليها العمل كما ينسب إلى الشمس تبييض الشقة و سواد وجه القصار و كما ينسب إلى النار التسخين و الإحراق فيقال بيضت الشمس كذا و أظهرت الشمس كذا و أحرقت النار كذا و أنضجت كذا و سخنت كذا فهكذا هو الأمر في العالم إن كنت ذا لب و فطنة وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و لهذا يتجلى في كل صورة فجميع العالم برز من عدم إلى وجود إلا الإنسان وحده فإنه ظهر من وجود إلى وجود من وجود فرق إلى وجود جمع فتغير عليه الحال من افتراق إلى اجتماع و العالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود فبين الإنسان و العالم ما بين الوجود و العدم و لهذا ليس كمثل الإنسان من العالم شيء

فما أنا مخضة الوجود إلا لكونى من الوجود
ليس لأمر على حكم من عدم يقضي في وجودي
فليس لي في الكتاب مثل إذاقة لذة المزيد
لذلك اختص بالسجود كوني و كونت للسجود
اسجد لي الأمر كل كون إلا الذي قال بالجحود
و لما تحلل الجامد تغيرت الصور فتغير الاسم فتغير الحكم و لما تجمد المائع تغيرت الصورة فتغير الاسم فتغير الحكم فنزلت الشرائع تخاطب الأعيان بما هي عليه من الصور و الأحوال و الأسماء فالعين لا خطاب عليه من ذاته و لا حكم عليه من حقيقته و لهذا كان له المباح من الأحكام المشروعة و فعل الواجب و المندوب و المحظور و المكروه من الملمات الغريبة في وجوده و ذلك مما قرن به من الأرواح الطاهرة الملكية و غير الطاهرة الشيطانية فهو يتردد بين ثلاثة أحكام حكم ذاتي له منه عليه و حكمان قرنا به و له القبول و الرد بحسب ما سبق به الكتاب و قضى به الخطاب فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ كما كان من القرباء مقرب و طريد فهو لمن أجاب و على اللّٰه تبيان الخطاء من الصواب و غاية الأمر أن اللّٰه عنده حسن المآب

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 390
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست